متابعه – سفاري نت
قد لا ينجح اسم مخرج سينمائي كبير أن يستقطب ذلك الاستحسان لفيلمه الذي يحمل ثقل مسؤولية ذلك المخرج. كما حدث مع المخرج الإسباني المبدع بيدرو المودوفار. إذ يلحظ من خلال فيلمه الذي أخرجه في عام 2013، "أنا متحمس جداً" أنه يحمل فكرة ذات ملامح تقليدية، لطائرة تحمل عيباً تقنياً يجعلها على أهبة التحطم وقت الهبوط. وذلك على غرار الفيلم الأمريكي الكوميدي "الطائرة" لعام 1980، الذي لاقى أصداء جماهيرية كبيرة، ولا يزال يستقطب المشاهدين بأسلوبه الساخر الذي لا يزال يظهر وكأنه حديث عهد على الرغم من مرور 36 عاماً.
إذن، ما الذي اختلف في الفيلم الإسباني "أنا متحمس جداً" الذي لم يتجاوز الساعة والنصف؟ هناك لمسة المخرج الغرائبي المودوفار، كعادته لا بد من التطرق إلى العنف والجنس والمخدرات، وكأنها أساسيات محاولة تغييب العقل وإغفاله التي يحاول أن يضعها بين طيات أحداث أفلامه بحسب صحيفة "الاقتصاديه"
يخرج المودوفار عن نمطية الأفلام الدرامية السوداوية التي اعتاد أخيراً التركيز عليها، ليعود إلى إخراج فيلم كوميدي هزلي، من بعد انقطاع طويل عن هذا الطراز السينمائي. إذ يعد آخر فيلم كوميدي له "نساء على حافة الانهيار العصبي" الذي تم إخراجه في عام 1988.
الفيلم كذلك يظهر انتقاء بيدرو لذات الممثلين الذين اعتادوا نجومية أفلامه السابق. حتى إن الممثلة الإسبانية بينيلوبي كروز تظهر في بداية الفيلم مع أنتونيو بانداريس في ظهور عارضي سريع، لا علاقة له بباقي الفيلم.
العنوان مأخوذ عن أغنية مشهورة يتكرر ترديدها في الفيلم.
خافيير كامارا هو الآخر أحد نجوم المودوفار المعتادين، يظهر في دور محوري للمضيف جوسييرا الذي يحاول مع باقي طاقم الطائرة طمأنة الركاب من خلال أفاعيل غريبة وردود فعل متضخمة. ما بين وضع مواد منومة لركاب الدرجة السياحية، للتخلص من حاجتهم لتهدئة الوضع وشرح التفاصيل. في الحين الذي يقوم فيه طاقم مضيفي درجة الأعمال بطمأنة وشرح الوضع للركاب، يصل إلى الحد الذي يقومون فيه باختيار أغنية "أنا متحمس جداً"، وهي ذاتها المأخوذة كعنوان للفيلم، ليقوموا برقص فكاهي على أنغامها علهم يقومون بتسلية الركّاب.
الفيلم يرفل منذ بدايته في الرمزية، فتنويم الدرجة السياحية إشارة إلى الطبقة المدقعة في المجتمع التي يتم إغفالها عن الحقيقة. فيما ترمز درجة الأعمال إلى الفارق الطبقي لأصحاب النفوذ والمال القادرين على التأثير، والذين لا بد من إقحامهم في الواقع المعيش.
الأمر الذي يظهره العطل الفني للطائرة الذي يتسبب في حاجتها إلى الطيران في مسار دائري موحّد، في إشارة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها دولة إسبانيا، وعجز إيجاد حل لتلك الأزمة. حالة انهيار الاقتصاد تظهر منذ بداية الفيلم من خلال الأخبار عبر الصحف المقروءة على متن الطائرة. ومن خلال حالة انهيار أحد الركاب المتسبب في انهيار اقتصاد أحد المصارف الإسبانية.
تصل الفكاهة في الفيلم إلى طريقة تجسيد حالات الانهيار الممتزجة باللا مبالاة العبثية، كمحاولة عدد من طاقم الطائرة وركابها القيام بكل ما لم يتم تحقيقه من قبل من رغبات قبل احتمال تحطم الطائرة. في الوقت ذاته الذي يمعن فيه الجميع إلى إغفال الخطر الذي يعيشونه بالتركيز على أمور أخرى.
وكأن الشخوص ما هم إلا مجموعة غريبة قادمون على متن الطائرة لثرثرة غير حميمية، أجبرتهم عليها الحبوب المخدرة التي تم توزيعها داخل مشروباتهم من قبل طاقم الطائرة، ما دفعهم إلى الإفصاح عن أسرار دفينة لا ينبغي ذكرها أمام الآخرين.
الفيلم يحوي أحداثا عارضية فجائية عديدة، كهاتف خلوي يسقط من يد امرأة تحاول الانتحار ليصل إلى حقيبة امرأة، تجيب على الهاتف وتكتشف أنه حبيبها السابق ريكاردو وهو على متن الطائرة المتهالكة، وتشرع في معاتبته من جديد. وكأن في الأحداث المفاجئة محاولة تشتيت الانتباه لا هدف منها إلا التعمق في الهزلية والإفصاح عن بعض الجوانب الخفية لشخصيات الركاب. فحتى الهاتف الأوحد الموجود داخل الطائرة يجبر المتحدث من خلاله على مشاركة الآخرين أحاديثه، بسبب عدم وجود خاصية تمنح الخصوصية.
تمسك المخرج الإسباني كذلك بثيمته المستمرة في استخدام أزياء طاقم الطائرة وتصاميم الديكورات ذات الألوان الصاخبة، التي يغلب عليها اللون الأحمر. وحتى الثياب التي تقوم حبيبة ريكاردو السابقة بإلقائها وتمزيقها في أرجاء الشارع ذات ألوان زاهية.
الفيلم "أنا متحمس جداً"، لا يظهر حماسة حقيقية للحياة. مجرد عبثية تسرح في عدم مبالاة بما يحدث، وكأن ذلك يرمز إلى حالة الشباب غير المكترثين للأزمة الاقتصادية التي أثقلت كاهل إسبانيا. وعلى الرغم من أن الفيلم شديد المرح والخفة إلا أن الحبكة غير متماسكة، وقد يكون ذلك متقصداً من قبل المخرج المودوفار. أما الأحداث فتأتي كبوح متتال غير متسق لأشخاص بعيدين كل البعد عن الاتزان.
ومن الصعب الدمج بين الرمزية والاستخفاف الذي يقوم به الممثلون في المشاهد المختلفة، على الرغم من وضوح محاولات المخرج إسقاط الرمزية في تفاصيل الفيلم عبر طائرته المتهالكة.