اسطنبول – احمد عمر
بمجرد أن تغيب الشمس عن مدينة اسطنبول التركية، فإنها تكتسي بالعديد من المظاهر الليلية النابضة بالحياة والمفعمة بالحيوية والإثارة، لدرجة أن السائح الذي لا يشاهد مناظر الاحتفالات المبهجة أو يعايش إيقاع هذه المدينة الفريدة من نوعها، سيفوته فرصة لن تتكرر في أي مكان آخر حول العالم.
وتتنوع مظاهر الحياة في اسطنبول، وتتوافر أمام السياح إمكانيات كثيرة للاحتفال والاستمتاع بأجوائها الليلية الساحرة، حيث لا يضطر السائح إلى وضع خطط لقضاء أوقات فراغه، لكن كل ما عليه أن يترك نفسه لهذه المدينة الساحرة وينساب وسط الجموع الغفيرة التي تتدفق على اسطنبول من كل حدب وصوب.
ويقول مؤلف الإعلانات فارول دوكين :”الخطة الوحيدة؛ هي أن ننطلق ونقضي وقتاً ممتعاً”، ويخطو بعد ذلك وسط الجموع الغفيرة من السياح المنتشرة في ميدان تقسيم. ولقد عاش فارول دوكين، المولود في مدينة اسطنبول، لفترة طويلة في قلب منطقة الاحتفالات والسهرات الصاخبة بميدان تقسيم الذي يقع في حي بيوغلو.
وليس هناك شخص ثان على دراية بخبايا هذا الميدان الصاخب مثل فارول دوكين الذي يبلع عمره 32 ربيعاً، ويقول :”إذا كنت تبحث عن حفلات أو أجواء موسيقية صاخبة، فسوف تعثر على ضالتك هنا؛ لأن ميدان تقسيم يزخر بالكثير من الأماكن الترفيهية من أجل الاستمتاع بمظاهر الحياة الليلية، ويرفع شعار: تفضل بزيارة ميدان تقسيم مهما كانت رغباتك، ومهما كانت احتياجاتك، فبكل تأكيد ستقضي أوقاتاً ممتعة.
مجمع المقاهي
وفي واقع الأمر كان فارول دوكين معه كل الحق فيما قاله؛ حيث تنتشر المقاهي والنوادي الليلية والمطاعم والحانات بجوار بعضها البعض في شارع التسوق الشهير في ميدان تقسيم والمعروف باسم «استقلال قديسي» والذي يمتد لمسافة ثلاثة كيلومترات. وأوضح فارول دوكين :”يوجد هناك المئات وربما الآلاف من المقاهي والنوادي الليلية، والتي يضاف إليها أماكن ترفيهية جديدة كل يوم”.
ويمتد شارع الاستقلال، كما يُطلق عليه أهل مدينة اسطنبول، من ميدان تونيل إلى ميدان تقسيم، وقد قامت السلطات التركية بتحويله إلى منطقة مخصصة للمشاة فقط منذ تسعينيات القرن الماضي. ويفتح هذه الشارع أبوابه أمام السياح للتسوق وتناول الطعام والشراب حتى ساعات متأخرة من الليل، ويتوافد المئات من السياح على منطقة التسوق كل يوم.
وفي الليل يتدفق آلاف السياح إلى هذه المنطقة؛ حيث تصدح الموسيقى في جميع أرجاء المكان، وتنبعث من المطاعم روائح التوابل الشرقية التي تختلط بالنسيم العليل الذي يهب على مدينة اسطنبول من مضيق البوسفور.
ممنوع النوم
وأوضح فارول دوكين :”في الواقع تخلد مدينة اسطنبول إلى النوم مثل غيرها من المدن الكبيرة، إلا أن النوم يجافي عيونها في ميدان تقسيم الصاخب”، مشيراً في تلك الأثناء إلى الحشد الكبير من الزوار في شارع الاستقلال.
ولا تقتصر مظاهر الاحتفالات على عطلة نهاية الأسبوع فقط، ولكن دوكين يؤكد على أن “الحفلات والفعاليات الترفيهية تبدأ بالفعل يوم الخميس في تمام الساعة 22:00، وتستمر بلا انقطاع حتى السادسة من صباح اليوم التالي”. وفي تلك الأوقات يتنقل السياح من سوق المدينة ويذهبون بالسيارة من مكان إلى آخر.
وأضاف فارول دوكين أن شوارع اسطنبول تزخر بآلاف السياح، الذين يحتاجون بالطبع إلى وسائل مواصلات لتنقلهم إلى الأماكن السياحية، لذلك يوجد في مدينة اسطنبول وحدها 17 ألف سيارة أجرة، منها 14 ألف سيارة تجوب ميدان تقسيم وما حوله.
ويصف مؤلف الإعلانات التركي الأمسيات الجميلة في مدينة اسطنبول، بأن السهرة تبدأ بتناول السائح لبعض المأكولات، وهو يشير في تلك الأثناء إلى الدنيس الطازج الموجود أمامه مع عصير الليمون. ومن أجل تناول الطعام تذهب الغالبية العظمى من السياح إلى الحانات التركية أو إلى المطاعم التركية التقليدية أو إلى شارع نيفيزادا، الذي يعتبر من أكثر الشوارع حيوية وازدحاماً بالسياح في حي بيوغلو.
وبفضل شوارعها الضيقة والمتعرجة، يضم ميدان تقسيم بعض أماكن الاحتفالات الصاخبة، التي تتفرع من شارع الاستقلال. وإلى جانب شارع نيفيزادا يوجد هناك شارع أسمالي مسيت وكوسوك بيوغلو، ويعتبر هذا المكان ملتقى الطلاب والمثقفين والفنانين.
ويصعد السياح من خلال الدرج المظلم إلى الطوابق العليا في بعض المباني المتهالكة والمتهدمة في بعض أجزائها، حيث تختبىء خلف أبوابها العتيقة نوادي ليلية أكثر شعبية، كما أنها تحوي بين جنباتها شرفات تتيح للسياح فرصة التمتع بإطلالة رائعة على مضيق البوسفور وأضواء المدينة المتلألئة.
ومن هذا المكان يسمع السياح ألحان ونغمات تنتمي إلى بعض أنواع الموسيقى، التي ترتبط بإيقاع هذه المدينة الساحرة، وفي هذه الأوقات الممتعة ينتاب السياح نوع خاص من خفقان القلب الذي يغلف الأجواء بالبهجة والإثارة.
وفي الصباح تتسلل الشمس ببطء لتحتل موقعها في هذا المشهد البديع وتنشر ضيائها ودفئها على أسطح المنازل بمدينة اسطنبول. وتتلاشي الأصوات الصاخبة التي كانت تملأ الدنيا صخباً بشارع الاستقلال، وقبل أن يتوجه السياح إلى منازلهم، يشعرون برغبة في تناول بعض المأكولات الخفيفة، وفي هذه اللحظات يحظى صنف “برجر تقسيم” بشهرة واسعة، وهو عبارة عن كفتة تركية صغيرة، منقوعة في كثير من صوص الطماطم، مع توابل حريفة وكثير من الثوم.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤلف الإعلانات فارول دوكين انتقل قبل عدة أشهر من الحي الذي يعيش فيه وسط منطقة تقسيم إلى الجانب الآسيوي من المدينة، حيث استقر به المقام في حي أوسكودار. ولكنه يفتقد أجواء منطقة تقسيم بشدة؛ لأن هذه المنطقة تعتبر أكثر حيوية وإثارة فضلاً عن أنها أكثر تنوعاً.
وتسود منطقة تقسيم أجواء الحرية بشكل لا يُصدق؛ حيث تعتبر ملتقى الاحتفالات والبهجة لكلاً من الأتراك والألمان والفرنسيين وجميع الجنسيات من العالم. وبينما يستعد فارول دوكين لاستقلال إحدى سيارات الأجرة ليذهب إلى منزله على الجانب الآخر من البوسفور، يقول :”من لم يحتفل ويستمتع في ميدان تقسيم، فإنه لم يحتفل في أي مكان آخر”.