سفاري نت – متابعات
تزخر مصر بكثير من الصحارى والمناطق السياحية الممتعة، لكن يظل لمحافظة الوادي الجديد بالصحراء الغربية بريقها الخاص، خاصة لمن يعشقون الهدوء المشمس، وممارسة سياحة الترويح عن النفس والتأمل المتقشف الذي يشبه زهد المتصوفة الروحاني العميق.
ويفخر أهالي الوادي الجديد بقصة نشأة محافظتهم الساجية في حضن الصحراء الرطبة، ويذكرون أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أرسى حجر الأساس لهذه المحافظة عام 1958 بعد قيام الثورة مباشرة، لكي يعالج مشكلة الزيادة السكانية ونقص الموارد الغذائية التي كان متوقعا أن تعيق مصر، فأمر بإنشاء وادٍ موازٍ لوادي النيل يطلق علية «الوادي الجديد»، بهدف اختراق الصحراء الغربية لتعميرها وزراعتها، مستفيدا من عيون وآبار المياه المتوافرة في هذه البقعة الغناء التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من مصر.
لكن محافظة الوادي الجديد، على الرغم من أنها تعتبر أكبر محافظة مصر مساحة، إلا أنها أقلها عددا في السكان، وهو ما يحافظ على هدوئها.
انطلقت المحافظة الوليدة للوجود في يوم 3 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1959، حيث وصلت أول قافلة لتعمير واستصلاح الوادي الجديد وتم اعتبار ذلك اليوم عيدا قوميا للمحافظة.
* محافظة الوادي الجديد كنز سياحي
* عن محافظة الوادي الجديد ككنز سياحي يقول مجدي سليم رئيس قطاع السياحة الداخلية بهيئة تنشيط السياحة، إن أهم ما يميز «الوادي الجديد» وجود كثير من الآثار التي تمثل جميع العصور التاريخية (الفرعونية، الرومانية، القبطية، الإسلامية، الفارسية، البطليمية)، كما أن ربوع الوادي الجديد تتمتع بجمال الطبيعة الهادئة والجو النقي ذي الشمس الساطعة، وكلها من المقومات السياحية المهمة، التي أهلتها أن تكون على خريطة مصر السياحية.
يضيف سليم: «يكفي أن تقوم بجولة في محافظة الوادي الجديد لتكتشف سحر الصحراء، وتتعرف على المميزات الثقافية والبيئية التي تتمتع بها هذه المنطقة النائية على الحدود الليبية والسودانية، والتي تضم خمسة مراكز إدارية تتمثل في «واحة الخارجة، الداخلة، الفرافرة، باريس، بلاط».
فإذا كنت من هواة المغامرات وسياحة السفاري، فلن تجد أفضل من ربوع الوادي الجديد لتنطلق وتصادق الصحراء الشاسعة التي تجذب المغامرين إليها من جميع أنحاء العالم، حيث تقام على أرضها السباقات الدولية، مثل «رالي الفراعنة» الذي يجري خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، كما شهدت المنطقة أسرع عبور لها على يد المغامر المصري «هشام نسيم»، الذي حقق عدة أرقام قياسية في عبور هضبة الجلف الكبير كان آخرها في يوليو (تموز) الماضي، حيث سجلت مغامرته في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية للمرة الثالثة.
يتابع مجدي سليم: «الوادي الجديد» على الرغم من اعتباره من المناطق الحديثة، بسبب إدراجه ضمن التقسيم الإداري للبلاد عام 1958، فإن الواقع يؤكد أنها منطقة قديمة تاريخيا، فمثلا في محمية الجلف الكبير ستجد كهوفا على جدرانها بها الكثير من رسومات الحيوانات، ورجال يسبحون، وتعود هذه الآثار إلى عصر ما قبل التاريخ.
* واحات ومعابد
* وفي الواحات هناك معبد «هيبس» الشهير الذي يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، وكان مخصصا لعبادة الآلهة؛ آمون، موت، خنسو.
أما منطقة «البجاوات» الأثرية، فترجع لأوائل العصر المسيحي، وشهدت هروب أقباط مصر خوفا من الاضطهاد الروماني للمسيحية. وتضم هذه المنطقة أكبر جبانة (مقابر) مسيحية بها نحو 263 هيكلا، بالإضافة إلى أنه مرسوم على جدرانها كثير من القصص الدينية التي ذكرت في الكتب السماوية.
ويشير مجدي سليم إلى أنه على بعد 18 كلم من جنوب «واحة الخارجة» يقع معبد «الغويطة» وسط قلعة رومانية، استمر استغلالها حتى العصور الإسلامية. وستدهشك «مدينة باريس» التي تقع جنوب الخارجة، وتضم «معبد دوش» الذي شيد لعبادة الإله «سيرابيس والإلهة إيزيس»، وعلى مقربة من المعبد، توجد أبنية من الطوب اللبن، يبدو أنها كانت لأديرة تحمل اسم دير الأب والابن، وعلى جدرانه مناظر لتقديم القرابين للآلهة.
إلى جانب الآثار الإسلامية في واحة الداخلة، حيث قرية القصر الإسلامية التي تعد من أهم القرى الأثرية المتكاملة في مصر، ومن أهم المزارات السياحية التي شيدت، وسقفت من الطوب اللبن.
ويقول سليم إن محافظة الوادي الجديد أصبحت مقصدا لعلماء الجيولوجيا من جميع أنحاء العالم، حيث تعتبر متحفا جيولوجيا مفتوحا خاصة بعد اكتشاف «محمية نيزك» التي تحتوي على حفرة نيزكية يرجع تاريخها إلى خمسة آلاف عام، وتدل المكونات المعدنية للنيزك على أنها العناصر نفسها المكونة للأرض والمجموعة الشمسية.
* محمية الصحراء البيضاء
* أما محمية «الصحراء البيضاء»، فتقع بالقرب من مدينة الفرافرة، وهي عبارة عن مساحة شاسعة من الصحراء تضم أشكالا من الصخور الجيرية ناصعة البياض، شكلتها عوامل التعرية بأشكال مختلفة، ويكتمل جمال المحمية بأنواع متعددة من النباتات والحيوانات الصحراوية النادرة، ويقصدها عشاق الصحراء والسفاري من شتى أنحاء العالم.
يقول مجدي سليم: «أهم ما يميز الوادي الجديد تنوّع مقاصد السياحة التي يأتي على رأسها السياحة الاستشفائية، وتتمركز في واحة الخارجة، التي تزخر بكثير من الآبار والعيون الكبريتية باردة وساخنة تصل درجة إحداها إلى 43 درجة مئوية، وتستخدم في علاج أمراض الروماتيزم والمعدة والبرد والحساسية، وقد ذاعت شهرة بعض القبائل البدوية بعملها في التداوي بهذه المياه».
يشير مجدي سليم إلى أن الوادي الجديد منذ عشر سنوات لم يكن به سوى فندق واحد، إلا أن الحركة السياحية بدأت في الانتعاش، مما أدى إلى تزايد عدد المنشآت السياحية لتصل اليوم إلى 20 فندقا متنوعة المستويات ابتداء من النجمة إلى الخمس نجوم، بالإضافة إلى مطارين، وتتنوع الفنادق في طابعها ومواد بنائها عن فنادق باقي المناطق السياحية، فهناك فنادق بنيت من خامات البيئة وبأسلوب يحاكي الطبيعة المحيطة بها، ذلك للحفاظ على طبيعة المنطقة بهدف تميزها.
ويؤكد سليم في ختام حديثة أن الوادي الجديد أصبح جزءا ثريا على خارطة السياحة والتراث في مصر، بما يزخر به من مقومات يجب استغلالها بالقدر الذي يحقق إضافة إلى المنتج السياحي، ولهذا تمت إقامة أحداث سياحية ومهرجانات ثقافية ورياضية بالوادي، كان أهمها مهرجان البلح الذي أقيم هذا العام للمرة الأولى، الذي حقق نجاحا وشهرة عالمية، حتى إنه أصبح سيقام بصفة سنوية، وتم إدراجه على خريطة المهرجانات الدولية، ومن خلال هذا المهرجان سيتم الترويج للحرف اليدوية المشتقة من التمور، كتصنيعها بعدة طرق فاخرة، منها «العجوة، التمر المحشو بأفخر أنواع المكسرات، الدبس»، هذا بالإضافة إلى بعض المشروبات الفاخرة وتستطيع هذه المنتجات منافسة نظائرها عالميا.
هذا بالإضافة إلى كثير من الصناعات اليدوية، مثل الكليم، السلال، الحبال، الفخار.. وغيرها من المنتجات اليدوية التي تفخر المحافظة بإنتاجها.