سفاري نت – متابعات
تعيش دولة رواندا تغيرات جذرية ونقلة نوعية جعلتها عاصمة السياحة بالقارة السمراء بعد ما شهدته منذ أزيد من عشرين سنة من “الإبادة الجماعية” التي كانت تسببت فيها حرب أهلية طاحنة أتت على الزرع والشجر قبل الدخول في مصالحة تاريخية طويت معها صفحة الذكريات السوداء، لتبدأ معها حقبة جديدة شعارها تطوير البلد والقضاء على الرشوة والفساد وعلى مختلف مظاهر التخلف وفقا لموقع الرجل.
وجمهورية رواندا وتعنى “أرض الألف تل”، هي دولة في شرق أفريقيا بمنطقة البحيرات العظمى الأفريقية لشرق وسط أفريقيا، تحدها تنزانيا شرقا وأوغندا شمالا والكونغو الديموقراطية غربًا وبوروندي جنوبًا، وهى تعد بالإضافة إلى بوروندي من أقاليم الكونغو الكبير.
وتبلغ مساحة رواندا 26338 كيلو متر مربع، وتقع بأكملها على ارتفاع عالٍ، وأدنى نقطة فيها على نهر “روسيزي”، بمنسوب 950 متر فوق مستوى سطح البحر.
وتكتسب رواندا شهرتها، من ما يعرف بـ”الإبادة الجماعية” خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في أبريل عام 1994 بين قبيلتي التوتسي، التي حكمت البلاد لقرون، وأغلبية الهوتو، التي كانت قد تولت السلطة من العام 1959 إلى العام 1962 وأطاحت بالنظام الملكي التوتسي.
وتشير التقديرات إلى أن 800 ألف رواندي قتلوا خلال 100 يوم فحسب عام 1994 في مواجهات قبيلتي التوتسي والهوتو.
وبعد حروب ودماء عادت رواندا مجددًا إلى واجهة الأحداث مؤخرًا، ولكن بشكل مغاير تمامًا بأن أصبحت الوجهة السياحية الأولى في وسط أفريقيا، وكان للقبضة الحديدة لرئيسها بول كيغامي الذي وحد الروانديين وسار بهم بخطى سريعة نحو تحقيق مجد كبير لهذا البلد الصاعد بقوة بعد أن عرف الرجل كيف يثنيهم عن الاقتتال ويحررهم من أفكار الأنا والذاتية إلى رحاب العمل الوطني العام المخلص الدؤوب نحو التنمية فتحققت المعجزة وحدث التحول الرهيب فكانت رواندا سنغافورة أخرى .
وتحولت اليوم “أرض الألف تل” إلى أنموذج للتنمية الاقتصادية في القارة السمراء بعدما بدأت بعمل برامج كثيرة من أجل توفير أهم شيء للسائح: الأمن، حتى أن التقارير تشير إلى أن 99% من السائحين الزائرين للبلاد يشيرون إلى أنهم يتمون زيارتهم لها دون أن يتعرضوا حتى لـ”المضايقة” وليس لحادث ذي طابع أمني.
وعلى الرغم من أن رواندا دولة صغيرة، ولا تشتهر بشيء يميزها عن الدول المحيطة، باستثناء حيوانات الغوريلا لديها، إلا أن معدل السائحين الوافدين زاد بنسبة تربو على الـ30% خلال العامين الأخيرين فحسب، وبلغت إيراداتها أكثر من 400 مليون دولار في عام 2016.
وبجانب الحرص الشديد على الأمن فإن تخفيض مقابل تأشيرة الدخول (الفيزا) إلى 30 دولارا فحسب (بدلًا من 100 دولار قبل ذلك) فضلا عن السماح لأغلبية السائحين بالحصول عليها من المطار ساهم كثيرًا في زيادة تدفق السياح.
كما اهتمت الحكومة الرواندية بزيادة عدد الفنادق في البلاد حتى أن التقارير السياحية تشير إلى أن السعة الفندقية للعاصمة وحدها نمت بما يزيد على 1000% خلال الأعوام العشرة الأخيرة.
وتبوأت العاصمة كيجالي مكانة متميزة بوصفها أنظف وأجمل مدينة أفريقية، حققت السياحة وحدها نحو 43% من الدخل الإجمالي للبلاد، ونجحت الحكومة الرواندية الحالية في تسويق “كيجالي” كوجهة آمنة عن طريق تطبيق القوانين الصارمة الملزمة للمواطنين، فصارت من أنظف وأرقى المدن في القارة السمراء، وكان لحرص وترحيب الدولة الرواندية باستضافة القمة الأفريقية رقم 27، رسالة مهمة أرادوا توصيلها للعالم بأن رواندا ستحتفل مكانة متقدمة جداً على خريطة العالم خلال سنوات قليلة.
ولم يتعد عدد سكان العاصمة كيجالي لدى استقلال روندا عام 1962 أكثر من 6 آلاف نسمة، وزاد هذا التعداد كثيرًا، حتى وصل إلى 1.2 مليون شخص عام 2016، وعلى الرغم من هذا “الانفجار السكاني” المضطرد إلا أن العاصمة نجحت في الحفاظ على مظهرها الحضاري بل وتحسينه.
وتنفق العاصمة كيجالي قرابة المليون دولار سنويًا، للاعتناء بنظافة 11 طريقًا رئيسيًا فقط، بينما يقع عائق الإنفاق على نظافة بقية الطرق في العاصمة على مقاطعاتها الثلاث، والتي تنفق ملايين الدولارات لشركات النظافة لضمان الاعتناء بالطرق.
وتعمل شركات النظافة في العاصمة على مدار الساعة، ففي الصباح ينتشر عمال النظافة لجمع والتقاط أوراق الشجر والقمامة، أما ليلًا فتنتشر السيارات التي تقوم بغسل الشوارع بالمياه وجمع القمامة من الصناديق المخصصة لذلك.
وأقرت الحكومة الرواندية غرامات كبيرة نسبيًا (تصل إلى 150 دولارا) كعقوبة لإلقاء القمامة في شوارعها، وأعطت الشرطة بما فيها شرطة المرور سلطة ضبط من يلقي القمامة، وفي حال تكرار تلك المخالفة تزداد قيمتها بشكل مطرد.
وتزداد الغرامات بشكل لافت إذا قام شخص بقطع شجرة أو إلحاق الضرر بأحد الطرق، حيث يكون عليه أن يصلح ما أفسده، مع دفعه غرامة بين ألف دولار إلى ألفي دولار.
كما يحصل التلاميذ في رواندا منذ أكثر من 10 سنوات على دروس في مادة “البيئة” وبها قسم كبير حول ضرورة الحفاظ على النظافة سواء شخصية كانت أو عامة.
وبدأت كيجالي في حصد نتيجة تلك الدروس لطلابها، حيث إن 60% من سكان المدينة هم من الشباب والطلاب، لذا فإن “الثقافة” المرتبطة بالنظافة في المدينة أصبحت قوية، حتى أن كثيرين منهم يبادرون بالإبلاغ طواعية عن أي شخص يقوم بإلقاء القمامة.
وأقرت المدينة سياسة “أومجاندا” أو (هيا بنا سويًا لنحقق هدفنا المشترك) المعتمدة على قيام سكان المدينة كلهم بعمل تطوعي بأن ينزلوا إلى شوارع المدينة في آخر سبت من كل شهر كي يشاركوا في تنظيفها سويًا، وبلا مقابل، حتى أن بعض السياح يشاركون في حملات النظافة تلك.
كما وضعت المدينة قواعد صارمة في مجال استقبال المواد المصنعة، وأبرزها رفض أية مواد بلاستيكية غير قابلة للتحلل الكامل، فضلًا عن الاعتماد على المواد الصديقة للبيئة في التغلفة والتعليب.
وتقول صحيفة “جارديان” إن سكان كيجالي يشعرون بالفخر لأن مدينتهم أنظف من نيويورك ولندن، وإنه كثيرًا ما يتم تصنيفها ضمن الأنظف في العالم بعد مدن مثل وارسو وستكهولوم وسنغافورة.