بقلم : عبدالله الزهراني
لقد دخلت الخطوط السعودية عصر التقنية مبكراً، وذلك قبل أكثر من 45 عاماً .. تحديداً في عام 1972م، حيث سجل ذلك التاريخ لـ “السعودية” استخدامها أجهزة حاسوب من نوع (IBM) لاول مرة، حيث كانت عملياتها الآلية قبل ذلك التاريخ تتم استضافتها في عاصمة الضباب “لندن”، وجاءت خطوة الناقل الوطني رائدة على مستوى القطاعات الحكومية والأهلية كافة لتؤدي دوراً مهماً هو دعم توطين التقنية الحديثة من خلال انتقالها الى المملكة في مركزها الرئيسي مدينة جدة.
كانت آنذاك أجهزة الحاسوب ضخمة بحجم مبنى او طابق وتسمى Mainframe مزودة بمعالج واحد اساسي وآخر اضافي ، و مقدار ضئيل من الذاكرة والتخزين وامكانات بسيطة وتعتمد بشكل رئيسي على التشغيل المركزي للتخطيط والعمليات اليومية، واستمر العمل بها قرابة عقد من الزمان، حيث تم خلال تلك الفترة ابتعاث عدد من الموظفين إلى دوبلن في ايرلندا وسياتل بأمريكا للتدريب على تقنيات جديدة ظهرت للوهلة الأولى في العالم حينها، وبعد عودة البعثة عام 1984م استطاعت “السعودية” تشغيل أهم الأنظمة الآلية في ذلك الحين على مستوى شركات الطيران وهي أنظمة الحجز والمالية والموارد البشرية والعمليات الجوية.
تسارعت خطى “السعودية” في عقد الثمانيات الميلادية، وسعيها الدؤوب في مجالات تطوير مشاريعها التقنية، فقد تم عام 1987م اطلاق مشروع تطوير للبنى التحتية شمل جميع الأنظمة التشغيلية وذلك بهدف التهيئة للدخول إلى عصر التسعينات بقوة من خلال اعتماد أفضل البرامج الآلية ومواكبة أحدث التقنيات مع التطور المستمر في هذا المجال، ولكن الأنظمة المركزية والأجهزة الضخمة لا زالت هي المسيطرة في تلك الفترة.
شكل حلول عام 2000 اختباراً صعباً أمام “السعودية” ولكنها أكدت مجدداً ريادتها في مجال استخدام النظم المعلوماتية وقدرة هائلة لكوادرها الوطنية على معالجة مشكلة عام 2000 والتي كانت تعرف بإسم (Y2K) في كافة برامج التطبيقات مثل نظام الحجز سارز ونظام العمليات الجوية وإدارة المواد والصيانة وغيرها من النظم المعلوماتية، حيث نجحت في الاستعداد الجيد بتحديث البنى التحتية بشكل كامل للمعدات والأنظمة، الأمر الذي حقق نجاحاً في تجاوز المشكلة التي كانت تؤرق جميع هذه القطاعات والشركات، ليس ذلك فحسب بل ان “السعودية” في اطار جهودها لحل هذه المشكلة ساهمت في اقامة العديد من الندوات داخل المملكة بهدف تقديم الخبرة والمشورة لبعض القطاعات عبر دراسات وعروض وضحت طرق علاج المشكلة.
بعد ذلك انطلقت “السعودية” بكل ثقة خلال عقد العشرينيات ووصلت ذروتها في عام 2006م إلى أفاق رحبة وحققت تطورات مذهلة في مجال تقنية المعلومات، حيث وضعت “السعودية” خطة شاملة لتقنية المعلومات تم خلالها تغيير البنية التحتية واستبدال جميع الأنظمة الآلية بآخرى جديدة وحديثة وتغيير هيكلة قطاع تقنية المعلومات والأهم هو نظرتها المستقبلية لضرورة التحول الكامل من النظام المركزي (Mainframe) إلى الأنظمة الحديثة كالتقنية السحابية والحاسبات اللامركزية التي فتحت آفاق جديدة في عالم التجارة اللإلكترونية وذلك كان هو “الحلم” الذي تسعى لتحقيقه وتضعه نصب عينيها.
مع مطلع شهر ابريل 2007م قامت “السعودية” بتنفيذ خطتها الإستراتيجية الشاملة التي تهدف إلى توديع أجهزة الحاسوب العملاقة المركزية إلى غير رجعة، وتحديث النظم المعلوماتية لرفع مستوى الأداء وتحسين الإجراءات والاستفادة المثلى من القوى العاملة وزيادة الإيرادات، انطلاقاً من التوجه إلى الخصخصة وفتح باب المنافسة في سوق النقل الجوي وسط النمو الاقتصادي الكبير للمملكة والطفرة الإقتصادية في ذلك الحين، الامر الذي فرض المواجهة بوضع خطط وأهداف إستراتيجية لتلك المرحلة لإحداث نقله نوعيه وسريعة من خلال مسح شامل للوضع القائم والنظم والبنية الأساسية المتوفرة، حيث خرجت دراسة متخصصة لاعتماد 18 توصية تشمل: 11 مشروع لنظم معلوماتية جديدة، و 5 مشاريع للبنية الأساسية، وبرنامجين لإعادة تنظيم إدارة تقنية المعلومات.
شهد العام 2008م بداية التخلص الفعلي من قبضة أجهزة الحاسوب العملاقة والتحول الحقيقي إلى التقنيات الأحدث، حيث سجلت أنظمة البرامج المالية والموارد البشرية أول خروج من قفص الـ (Mainframe) وذلك بتطبيق مشروع متطور جداً تم تنفيذه مع شركة ساب (SAP Arabia)
بعد ذلك توالى خروج الأنظمة الأخرى الواحد تلو الآخر ففي 2010م تم تطوير أنظمة الحجز وتحويلها الى المعروفة تقنياً باسم السحابي(Amadeus )، وفي عام 2012 تم تطوير أنظمة قطاع الصيانة وادارة المواد إلى نظام (AMOS)، كما تم تطوير نظام الأنظمة التشغيلية والعمليات الجوية والتي شملت عشرات الأنظمة من شركتي (SABRE & Jeppesen)، حيث أستغرق هذا المشروع 4 أعوام لتغطية كافة المتطلبات التشغيلية وانتهت بحمد الله بنجاح تام في 31 ديسمبر 2016م.
ومع اطلالة عام 2017م يسجل التاريخ انجاز جديد لـ “السعودية” والمتمثل في إيقاف (النظام المركزي) نهائياً في جميع عملياتها التشغيلية وبرامجها الآلية، حيث يقف خلف الكواليس ووراء هذا الإنجاز 650 متخصصاً وفني من أبناء قطاع تقنية المعلومات بنسبة سعودة تفوق 95% منهم 60 مهندسة سعودية، ساهموا بإخلاص وتفاني في تنفيذ مبادرات قطاع تقنية المعلومات ضمن برنامج التحول ورحلة “السعودية” 2020، محققين بذلك ريادة “السعودية” في هذا المجال على مستوى شركات الطيران ونجحوا في تبسيط إجراءات السفر، حيث بات الناقل الوطني اليوم يوفر باقة الخدمات المتكاملة المقدمة عبر تطبيق ״السعودية״ على الأجهزة الذكية بالإضافة إلى أجهزة الخدمة الذاتية المنتشرة بكل يسر وسهولة .