سفاري نت – متابعات
لا تتوقف الأزمات التي تخوضها شركة واتساب صاحبة تطبيق التراسل الشهير والمملوكة لشركة «فيسبوك» عن الظهور، فبعد هدوء أزمة تعديلات قواعد الخصوصية التي أثارت جدلاً عالمياً على مدى الشهور الماضية، تخوض الشركة حالياً معركة جديدة في الهند ربما تكون لها آثار عالمية على جميع مستخدمي التطبيق في دول العالم المختلفة نقلا عن موقع الرؤية.
خلال الأسابيع الماضية، رفعت واتساب دعوى قضائية ضد الحكومة الهندية في محاولة لوقف تنفيذ قوانين تكنولوجيا المعلومات الجديدة التي تجبر تطبيقات المراسلة على تتبع المنشئ الأول للرسالة؛ وهو الأمر الذي من شأنه أن يجبر التطبيق على إضعاف عملية التشفير من طرف إلى طرف، والكشف عن هويات المرسلين، والتأثير على أمان أكثر من 400 مليون مستخدم للتطبيق في الهند، وربما مليارات آخرين في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من صعوبة تقييم النتائج المحتملة لهذه الدعوى، إلا أنه من المحتمل أن تؤثر على نوعيات تكنولوجيا الاتصال والمساحات الآمنة عبر الإنترنت بالنسبة لمواطني الهند في المستقبل، ويمكن أن تشكل سابقة لما قد تطلبه الحكومات المختلفة ليس فقط من واتساب، ولكن من تطبيقات المراسلة الأخرى. ويقول الخبراء إن الامتثال لهذه القواعد من شأنه أن يعرض الحق الأساسي للخصوصية إلى الخطر، لأن تقليل أو تقويض عمليات التشفير لشخص واحد يعني القيام بهذا الأمر بالنسبة للجميع.
تم إصدار القواعد الجديدة في فبراير الماضي، من خلال أوامر تنفيذية من الحكومة. وتم منح الشركات 3 أشهر لتصحيح أوضاعها؛ وهي المهلة التي انتهت منذ أسابيع، إحدى القواعد الجديدة تطلب من شركات التراسل التي يزيد عدد مستخدميها على 5 ملايين مستخدم، والتي تضم واتساب وسيغنال، القدرة على تحديد المصدر الأول للمعلومات المتداولة، إذا طلبت المحكمة أو السلطات الحكومية هذا الأمر، وبالنسبة للمحتوى الذي يبدأ ظهوره خارج الهند، فإن الشركات مجبرة على تحديد أول ظهور له داخل الدولة.
المشكلة الأساسية، أنه في الوضع الحالي، فإن مقدمي الأنظمة الأساسية المشفرة من طرف لطرف مثل واتساب وسيغنال، لا يستطيعون رؤية محتوى الرسائل التي يتم تداولها، ما يعني أنه لا يمكنهم متابعة مسار محتوى معين، بالإضافة إلى ذلك فإن إجبار الشركات على الاحتفاظ بإمكانية تتبع الرسائل لا يعني فقط معاملة كل فرد باعتباره متهماً محتملاً، ولكن سيكون أيضاً مهمة مرهقة للشركات للاحتفاظ بكميات هائلة من البيانات التزاماً بالأوامر الحكومية.
قالت خبيرة التكنولوجيا والمدافعة عن سياسات الخصوصية، نامراتا مهيشوراي: “إن فرض إمكانية تتبع المحتوى ستقوض مفهوم التشفير من طرف إلى طرف وتقضي عليه تماماً، كما سيجبر الشركات على تغيير بنيتها التقنية بطريقة تؤثر سلباً على الخصوصية والأمان عبر الإنترنت، وسيتعين عليهم تطوير القدرات على تتبع من أرسل الرسالة لمن، وتخزين هذه المعلومات إلى أجل غير مسمى، وهذا التزام مرهق بالإضافة إلى أنه يعرض أمن المستخدم وحرية التعبير للخطر.
على الجانب الآخر، قالت الحكومة الهندية إنها «لا تنوي انتهاك خصوصية المستخدمين على الإطلاق، وإنها لن تستخدم قدرات التتبع إلا للوقاية أو التحقيق أو المعاقبة على الجرائم الخطيرة التي تتعلق بسيادة وسلامة الهند والعلاقات مع الدول الأجنبية والنظام العام، أو التحريض على جريمة مما سبق أو ما يتعلق بالاغتصاب، والمواد الجنسية الصريحة، أو مواد انتهاك الأطفال». إلا أن هذه التعريفات، كما يقول المدافعون عن حرية التعبير، تترك مجالاً كبيراً للتفسير، حيث يمكن أن تلاحق السلطات شخصاً ينشر معلومات مضللة، وفي الوقت نفسه يمكن تعقب النشطاء أو المعارضين السياسيين.
القرارات الهندية، ليست أول ما تواجهه واتساب، حيث تواجه المنصة دعوى مماثلة في البرازيل، ثاني أسواقها الدولية بعد الهند. كما أن هناك دولاً أخرى مثل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تضغط على الشركة لإضعاف تشفير تطبيقها للتراسل، ولكن ما يحدث في الهند هو المرة الأولى التي يتم فيها فرض إجراءات التتبع رسمياً.
وقال متحدث باسم المنصة في تصريحات صحفية إن «مطالبة تطبيقات التراسل بتتبع المحتوى أمر يعادل مطالبة الشركة بالاحتفاظ بنسخة من كل رسالة يتم إرسالها عبر واتساب، وهو الأمر الذي ينهي فكرة التشفير من طرف لطرف، وينهي حق الأفراد في الخصوصية»، وأكد المتحدث أن الشركة وقفت إلى جانب جماعات المجتمع المدني في معارضة مطالبات السلطات التي من شأنها انتهاك خصوصية المستخدم، وأنهم سيستمرون في التواصل والحوار مع السلطات الهندية للوصول إلى حلول.
وتعتبر الهند أكبر سوق لواتساب، حيث أصبحت خدماتها وسيلة أساسية للاتصال هناك. وأظهرت الأبحاث أن تطبيق واتساب كان التطبيق الأول المفضل في الهند عام 2020، حيث قضى المستخدمون معظم أوقاتهم عبر الإنترنت معه، ولكن المشكلة أن هذه المنصة الهائلة لم تصبح فقط جزءاً من حياة المجتمع، ولكنها في الوقت نفسه أصبحت مركزاً هائلاً لنشر المعلومات الخاطئة والتي تؤدي إلى تداعيات سلبية على أرض الواقع.
المثير أن حكومة مودي وصلت إلى السلطة في الهند عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة خاصة تويتر وواتساب، كما يرصد ناشطون في مجال الحقوق الرقمية، ولكن الحكومة ذاتها تبحث حالياً عن وسائل للسيطرة عليها، رغم أن غالبية المجموعات الناشطة سياسياً توقفت عن استخدام هذه المنصة للتراسل.
وبالإضافة إلى واتساب، كانت شركات التكنولوجيا الكبرى والحكومة الهندية على خلاف كبير في الفترة الماضية، ففي شهر أبريل الماضي، طلبت الحكومة من فيسبوك وتويتر وإنستغرام إزالة المنشورات التي تنتقد طريقة تعاملها مع كورونا، كما اعترضت الحكومة على تصنيف تويتر لتغريدة لأحد السياسيين باعتبارها تلاعباً بالمعلومات، وزارت الشرطة العاصمة مكتب تويتر لتقديم إشعار قانوني ضد الشركة.
خلال الشهور الماضية تعرض واتساب للكثير من الضغوط، ففي يناير الماضي عندما أعلنت الشركة أنها ستجبر المستخدمين على الموافقة على سياسة جديدة للخصوصية، قرر الكثير من المستخدمين في الهند التحول إلى سيغنال أو تيليغرام، وارتفعت معدلات تنزيل هذه التطبيقات بشكل كبير، وطلبت الحكومة من الشركة التراجع عن هذه السياسة، وحاولت الشركة استيعاب رد الفعل العنيف من خلال نشر إعلانات على صفحات كاملة بالصحف المحلية، وتراجعت الشركة بعض الخطوات بتأجيل الموعد النهائي لتطبيق سياسة الخصوصية.