جبل جيس.. سياحة “فريدة” بطعم المغامرة في رأس الخيمة

سفاري نت – متابعات

تتعدد الوجهات الطبيعية التي تجسد الطموحات السياحية لإمارة رأس الخيمة، لكن لا يوجد ما يعكسها بصورة أفضل وأعمق من جبل جيس.

ويصنف جبل جيس كأعلى قمة في الإمارات، بارتفاع يناهز 2 كيلومتر وإطلالة ساحرة على سلسلة جبال الحجر، واليوم وبفضل الاهتمام المتزايد بتنمية القطاع السياحي أصبح هذا الجبل الشامخ، وجهة رائدة تعكس التطلعات السياحية اللامحدودة للإمارة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

يعتبر جبل جيس، ركيزة أساسية للنموذج السياحي الجديد القائم على المغامرات والاستدامة والسياحة الصديقة للبيئة في رأس الخيمة، ويرمز ارتفاعه كأعلى قمة جبلية في الإمارات إلى الآفاق الرحبة التي تهدف الاستراتيجية السياحية الجديدة في الإمارة بلوغها.

ويعد إطلاق هذا التوجه الجديد للقطاع السياحي في رأس الخيمة، تجسيداً لرؤية الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، والذي يشجع على الاستفادة من الإمكانات السياحية الهائلة والمقومات الطبيعية المتنوعة في الإمارة.

وتقوم الخطة على استغلال الجمال الطبيعي الآسر في رأس الخيمة، بتضاريسها الخلابة، وطقسها الجبلي المنعش، بهدف تقديم تجربة سياحية فريدة من نوعها ومختلفة عن مثيلاتها في المنطقة.

ولأن درجات الحرارة على جبل جيس، تكون غالباً أقل بـ10 درجات عن مستوى سطح البحر، تم تحديد هدف واضح ضمن الخطة ألا وهو إنشاء مركز سياحي يستقطب الزوار على مدار العام، حتى خلال أشهر الصيف التي تقل فيها إمكانية ممارسة نشاطات الهواء الطلق في الإمارات.

وتعتبر الاستدامة التي تعد من أبرز أولويات إمارة رأس الخيمة، ركيزة أساسية في الاستراتيجية السياحية، وتشمل جميع عمليات التطوير المتواصلة لمصادر الطاقة المتجددة، وخطط إعادة التدوير الهادفة إلى حماية بيئة الإمارة، ويترجم هذا التوجه من خلال العمل المستمر على تعزيز العناية والاهتمام بالنباتات المحلية على قمة جبل جيس والمناطق المحيطة بها، والالتزام باتباع هذه السياسة لتكون معياراً رئيسياً لتطوير المناطق العامة على الجبل.

ومن أهم الجوانب الرئيسية في هذا الاتجاه القيام بتوثيق دقيق لأنواع النباتات المحلية في جبل جيس، بهدف تأسيس قاعدة بيانات تسهم في الحفاظ على التنوع النباتي، إضافة إلى تقديم معلومات شاملة لعشاق الطبيعة الذين يزورون الجبل.

ولتحقيق هذه الغاية، تعتمد إمارة رأس الخيمة على خبرات الدكتورة مارينا تساليكي، أخصائي بحوث نباتية في “مؤسسة الزراعة التجميلية” التابعة لدائرة الخدمات العامة برأس الخيمة، والمكلفة بالتعرف على أنواع النباتات البرية في جبل جيس، وتقديم التوصيات اللازمة حول كيفية الحفاظ عليها والاستفادة منها واستخدامها لفائدة مجتمع الإمارة.

100 نوع من النباتات

وتوضح الدكتورة تساليكي قائلة: عندما بدأت عملي في جبل جيس، بادرت أولاً إلى توثيق النباتات التي وجدتها، ثم وضعت خارطة لها بالكامل، وتوصلت إلى أن الجبل يضم أكثر من 100 نوع من النباتات، مما يجسد دليلاً حياً على مدى التنوع النباتي في جبل جيس”.

وتابعت: “واكتشفت أيضاً أن بعض أنواع النباتات الخاصة ببيئة جبل جيس، مثل الزنبق وأزهار السوسن، لا تنمو في مناطق أخرى بالإمارات، ووجدت وفرة كبيرة في النباتات العشبية والعطرية والطبية، وأواصل حالياً البحث في المناطق الجبلية الأخرى من المنطقة بهدف إظهار مدى تفرد وتنوع النباتات والحيوانات التي تعيش في بيئة الإمارة الجبلية”.

وتطرقت أخصائية البحوث النباتية، إلى النباتات والشجيرات ذات الخصائص الطبية التي وثقتها، وكيفية الاستفادة منها في المجالات الدوائية، حيث تعتزم حالياً تقييم تلك الاستخدامات. كما استعرضت الدكتورة تساليكي، الأنواع البرية الشهيرة من أشجار الفاكهة التي اكتشفتها على الجبل، مؤكدة أن هذه الأنواع مختلفة تماماً عن تلك التي تتم زراعتها للاستهلاك.

وأضافت أن “التين البري” ينمو على الجبل، إلا أنه يختلف عن التين الذي نعرفه، فهو غير مخصص للاستهلاك البشري، ويشكل غذاءً للحيوانات والحشرات والدبابير التي تلقحها، لذلك فإن هذا النوع من التين يمثل عنصراً مهماً من المنظومة البيئية للجبل. ولدينا أيضاً “اللوز العربي” الموجود حصرياً في هذا المكان بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو يخضع في الوقت الراهن لتحليلات مخبرية دقيقة للتحقق من تركيبه الكيميائي”.

وتابعت: “وبالرغم من أن معظم النباتات في جبل جيس ليست مصدراً غذائياً للبشر، إلا أن العديد منها تتميز باستخدامات طبية مهمة، وهذا ما أعمل على دراسته حالياً”.

ومن خلال افتتاح وجهة جبل جيس، والترويج لها بين فئات جديدة من السياح، فإن التصور يقوم على تطوير القطاع السياحي في الإمارة، وجعلها وجهة جديدة وفريدة من نوعها للمغامرين، وعشاق الطبيعة، والمسير الجبلي، وهواة النشاطات الخارجية. لذلك فإن أولى قرارات الارتقاء بالقطاع كان بإنشاء المسار الانزلاقي، ليس فقط بغرض التجربة، بل لجعله مميزاً وليكون الأطول من نوعه في العالم، وليشكل أحد الإضافات الفارقة القادرة على تلبية تطلعات الباحثين عن المغامرة والتشويق من كل أرجاء العالم.

ولتحقيق النمو والتطوير اللازم في هذا القطاع الحيوي، كان من الضروري إنشاء طريق وفق أعلى المعايير العالمية الأمر الذي لم يكن بالمهمة السهلة، فحتى عام 2013، كان السبيل الوحيد للصعود إلى الجبل هو سيراً على الأقدام أو باستخدام طائرة مروحية.

وبهدف تسهيل الوصول إلى الجبل ومواصلة عمليات التطوير، استدعت الحاجة إلى إنشاء طريق حديث يتيح للزوار الوصول إلى القمة بسهولة وكفاءة. ولم يكن تشييد هذا الطريق بالمهمة السهلة، نظراً لكثافة المنحدرات ووعورة المنطقة الجبلية، ما فرض تحديات كبيرة على جميع المشاركين في تنفيذ المشروع.

وبفضل الجهود الحثيثة التي بذلها كافة الشركاء المعنيين بتنفيذ المشروع بالتعاون مع دائرة الخدمات العامة برأس الخيمة، الجهة المشرفة على سير العمليات، أصبح لجبل جيس اليوم طريق يتميز بأعلى مواصفات الجودة يتيح للزوار والمغامرين الوصول إلى قمته بمنتهى السهولة.

ونظراً لحجم العمل الكبير وتميزه، فإن دائرة الخدمات العامة برأس الخيمة، مرشحة حالياً لتسجيل رقم جديد في موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية العالمية، من خلال مشروع تشييد الجدران الجانبية على الطريق، والتي من المرجح أن تكون الأطول من نوعها في العالم.

وبالإضافة إلى مجموعة الإنجازات الهندسية الرائدة، يشتهر طريق جبل جيس، في وسائل الإعلام العالمية المتخصصة بالسيارات، وذلك لتقديمه أحد أفضل تجارب القيادة في العالم.

مهمة صعبة

وأكد المهندس أحمد محمد الحمادي، مدير عام دائرة الخدمات العامة في رأس الخيمة، أن إنشاء طريق جبلي بطول 36 كيلومتر لم يكن بالأمر السهل، بل كان مهمة مليئة بالتحديات والصعاب، إلا أننا تمكنا من إنجازه.

واليوم نجني ثمار عملنا في استكمال هذا المشروع الحيوي. ولفت إلى ان الدائرة نجحت في إنجاز طريق اسفلتي جبلي فريد من نوعه بمواصفات عالمية، وبـ 9 جدران استنادية حجرية ضخمة.

وأوضح أن ميل الطريق بزاوية تتراوح بين 2% إلى 6% يجعله مثالياً لهواة ركوب الدراجات الهوائية، حيث توجد فيه قرابة 20 منطقة استراحة توفر إطلالات بانورامية ساحرة على منحدرات سلسلة جبال الحجر الشامخة”.

لفت الحمادي، إلى أن الطريق المؤدي لجبل جيس، يعد من أهم المشاريع وأكثرها تكلفة في امارة رأس الخيمة، وقد تم إنجازه في غضون فترة زمنية وجيزة مقارنة بالمشاريع من هذا النوع، الأمر الذي مهد لإنشاء العديد من المشاريع والوجهات السياحية الهامة والجاذبة بتوجيهات ودعم من الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة.

وفي الوقت الذي كانت توشك فيه عمليات تطوير الطريق على الاقتراب من انتهائها، بحثت هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة عن إمكانية إنشاء مسار انزلاقي يمثل وجهة جديدة للجذب السياحي في رأس الخيمة.

وبعد عمليات بحث مكثفة، وقعت الهيئة في عام 2017 اتفاقية شراكة مع “تورو فيردي”، الشركة العالمية الرائدة في مجال تشغيل مسارات الانزلاق، والمسؤولة عن تشغيل المسار الانزلاقي “ذا مونستر” الواقع في “بورتوريكو” بمنطقة الكاريبي، والذي كان حينها أطول مسار انزلاقي في العالم، وبموجب تلك الاتفاقية، توجه خبراء الشركة، إلى إمارة رأس الخيمة لإدارة وتشغيل “جبل جيس فلايت”، المشروع الذي أثمر عن تحقيق إنجازات هندسية كبيرة، على غرار المنصة الزجاجية ومنطقة الهبوط الهوائية المعلقة.

جبل جيس في موسوعة “جينيس”

وأثمرت جهود دائرة الخدمات العامة برأس الخيمة، وهيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة، عن تسجيل رقم قياسي في موسوعة “جينيس” للأرقام القياسية، من خلال إنشاء أطول مسار انزلاقي في العالم بطول 2.83 كيلومتر.

ومع التجربة المميزة التي يخوضها المغامرون بسرعة تصل إلى 150 كيلو متراً فوق السهول والوديان والإطلالات الجبلية الخلابة، باتت تجربة “جبل جيس فلايت”، وجهة مفضلة لعشاق المغامرات، وحازت على اهتمام مختلف وسائل الإعلام العالمية، الأمر الذي جعلها خياراً مفضلاً للجميع.

وتعتبر الشراكة التي أثمرت عن إطلاق “جبل جيس فلايت” مثالاً عملياً يعكس خطة رأس الخيمة في تشجيع المزيد من الشركات العالمية على الانضمام إلى مشاريع التطوير المشتركة مع الجهات المحلية، واستقطاب الخبرات الأجنبية والاستثمارات، وهو جانب في غاية الأهمية من رؤية رأس الخيمة وخططها في التنمية الاقتصادية.

وقد توّج إنشاء المسار الانزلاقي بداية مرحلة جديدة لجبل جيس، جعل منه وجهة سياحية جديدة ومميزة، حيث بدأت بعدها عمليات تطوير المزيد من المعالم والمرافق الأخرى التي تمت إضافتها لتشكل معاً مركزاً شاملاً للمغامرات.

وفي هذا السياق، قال راكي فيليبس، الرئيس التنفيذي لهيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة: ساهم إطلاق “جبل جيس فلايت” في تعزيز مكانة رأس الخيمة على الخارطة العالمية كوجهة رائدة للمغامرات. وهذه التجربة ليست سوى جانب واحد من النشاطات والخيارات العديدة التي نقدمها، حيث تتمتع الإمارة بتنوع طبيعي آسر، وتحتضن مجموعة واسعة من النشاطات الخارجية، ما أتاح لها ترسيخ مكانتها من خلال توفيرها لأنشطة متميزة مثل، المسير الجبلي، وركوب الدراجات، والتسلق، والقيام برحلات إلى قمم الجبال، والتجديف، وتم ذلك كله بمساعدة شركات تنظيم جولات المغامرات التي توفر إمكانات معتمدة وخبرات واسعة في هذه المجالات.

وأضاف فيليبس: حرصنا على تعزيز جاذبية جبل جيس، عبر إطلاق “قمة جيس للمغامرة” التي تتيح للجميع القيام بسلسلة من أنشطة المغامرات الرائعة في رأس الخيمة.

ويغطي ذلك “جبل جيس فلايت” و”جولة جيس المعلقة” التي تضم سبعة مسارات انزلاقية وجسر معلق بطول 15 متر، هو الأعلى في دولة الإمارات؛ و”مخيم بير جريلز للمستكشفين” الذي يضم أول مخيم إقامة يحمل علامة “بير جريلز” في العالم؛ ومتنزه منصة المشاهدة مع 7 منصات تقدم إطلالات مفتوحة وشاملة على جبال الحجر الشامخة، بالإضافة إلى “متاهة جيس المعلقة”، المسار المعلق المليء بالعقبات والذي يتكون من مستويين من الحبال والجسور والحلقات المتأرجحة وغير ذلك.

وعلى الرغم من الظروف التي واجهها العالم منذ بداية عام 2020، واصلت قمة جيس للمغامرة استقبال الزوار الذين تجاوز عددهم 65 ألف زائر من الباحثين عن المغامرات حتى شهر أبريل 2021، وتلتزم جميع النشاطات والمرافق على جبس جيس اليوم بتطبيق كافة الإجراءات والتدابير الخاصة بالتعقيم والحفاظ على الصحة والسلامة.

خطط مستقبلية

وعن خطط رأس الخيمة للمستقبل قال راكي فيليبس: نمتلك خطط طموحة للأعوام المقبلة، إذ نسعى للارتقاء بمكانة إمارة رأس الخيمة من خلال تأسيس المزيد من مرافق المغامرات لاستقطاب الباحثين عن التشويق والمغامرة من شتى أرجاء العالم. وقد أعلنا مؤخراً عن خطة استثمارية بقيمة نصف مليار درهم لتطوير مشاريع السياحة المستدامة في الإمارة، ما يؤكد التزامنا في دفع عجلة التنمية السياحية وزيادة ثقة المستثمرين والمشغلين الدوليين بمستقبل السياحة في إمارة رأس الخيمة.

ومن المتوقع أن يساهم ارتفاع عدد المغامرين والسياح من عشاق الطبيعة والبيئة في ارتفاع أعداد زوار رأس الخيمة بالمجمل، وبالتالي المساهمة في نمو اقتصاد الإمارة. كما أن اتفاقيات الشراكة التي تم إبرامها لإنشاء وجهات ومرافق جديدة في مجال سياحة المغامرات تستقطب أيضاً الاستثمارات الخاصة وتساهم بدور كبير في جهود الإمارة لترسيخ مكانتها وشهرتها كوجهة متميزة للمغامرات في المنطقة.

وعندما وضع الشيخ سعود بن صقر القاسمي، فكرة تطوير جبل جيس، لم يكن لأحد أن يتخيل كيف يمكن لحلم تطوير هذه المنطقة التي كان يتعذر الوصول إليها في السابق، أن يحول منطقة جبلية نائية واقعة في شمال دولة الإمارات العربية المتحدة إلى مركز متميز للسياحة والمغامرات.

واليوم مع تحقيق الحلم يشعر جميع أفراد المجتمع في الإمارات والزوار على حد سواء، بالفخر لإنجاز هذا المشروع وإتاحة الفرصة أمامهم جميعاً للاستمتاع بمشاهدة هذه المناظر الطبيعية الخلابة والإطلالات الجبلية الساحرة.

عن فريق التحرير

شاهد أيضاً

جبل الحوارة .. شاهد على تاريخ العُلا وجمالها الطبيعي

سفاري نت – متابعات تشتهر محافظة العُلا بجمال طبيعتها وتاريخها العريق، ومن أبرز معالمها الجبال …