بالصور .. أهم مشفى طبيعي ووجهة تونسية سياحية للإستجمام
سفاري نت – متابعات
على بعد 15 كلم غرب مدينة الكاف التونسية، أو “سيكا فينيريا” كما كان يسمي الرومان هذه المدينة الحالمة، ينتصب حمّام ملاق الذي تنبع مياهه على ضفاف وادي ملاق وسط غابات الصنوبر الحلبي وفقا لموقع دليل المسافر العربي.
منبع للمياه الحارة، يقصده الكثير من الناس من تونس وخارجها للتداوي بمياهه النابعة من بين صخور جبال الكاف شمال غربي تونس.
موقع جيولوجي ثري
يعتبر “حمام ملاق” من أغنى المواقع الجيولوجية في العالم، وقد تعددت الروايات التاريخية حول هذا المعلم، غير أنّ أشهرها تظل تلك التي تقول إنّ الإمبراطور الروماني “هادريان” (حكم بين 117 و138 ميلادي)، توقّف بالمنطقة خلال زيارته للجيش الروماني المرابط بنوميديا، والأخيرة منطقة كانت تقع في ذلك الوقت، بين تونس والجزائر.
وتفيد تلك الرواية بأن احتفاء سكان تلك المنطقة بالإمبراطور دفعهم إلى بناء حمام له، وتفنّن البناؤون في تشييده ليجعلوا منه تحفة معمارية.
ويضم الحمام غرفتين، واحدة خصصت للرجال وأخرى للنساء، وداخل كل منهما يوجد حوض ينبع منه ماء طبيعي حار.
ويقول مختصّون إنّ مياه “حمام ملاق” تعدّ من أجود المياه الجوفية الساخنة، ولها عدة فوائد في علاج الأمراض الجلدية والحساسية وأمراض المفاصل وغيرها.
وجهة طبية وسياحية
عدد كبير من السياح يقصد “حمام ملاق”، قادمين من كامل أرجاء تونس وأنحاء العالم، حيث يقومون بنصب الخيام حوله، ويمضون أشهرًا للتداوي بمياهه الطبيعية الحارة.
وبحسب بيانات “الديوان التونسي للمياه المعدنية والاستشفاء بالمياه” (حكومي)، يعود تاريخ العلاج بالمياه في تونس إلى 3 آلاف عام قبل الميلاد.
فمع قدوم الرومان إلى البلاد عام 146 قبل الميلاد، كرّسوا أنفسهم لعبادة المياه، واهتموا بشبكاتها، وكانت الحمامات الساخنة تتميز بضخامة المساحة، وتستخدم للأغراض الطبية، حيث كانت تعدّ أماكن عامة تضم أجمل المنحوتات واللوحات والتماثيل.
حدّة، وهي المشرفة على “حمام ملاق”، قالت إن “لهذا الحمّام عدة فوائد علاجية منذ القدم، مثل علاج الأمراض الجلدية والحساسية وأمراض المفاصل، إضافة إلى عدة أمراض أخرى”.
وأضافت، أنّ “الحمام يقصده عدد كبير من السياح من كافّة أصقاع الدنيا، ويعود تشييده إلى 2200 عام خلت”، مشيرة إلى أن “المعلم حافظ على شكله المعماري القديم، ولم يتغير فيه أي شيء باستثناء بعض الترميمات البسيطة”.
ووفق حدة، فإن “التونسيين يتوافدون على الحمام من كامل أرجاء البلاد، وينصبون الخيام حوله، ويقضون أشهرًا للتداوي بمياهه، حتى أن البعض منهم جاء إليه مُقعدًا على كرسي متحرّك، ولكنه عاد منه يمشي على رجليه”.
خيام متناثرة حول الحمام، جاء سكانها من مختلف المدن التونسية، بحثًا عن علاج لأمراض جلدية أو عضوية أرهقتهم وفشلوا في علاجها، فيما يأتي البعض الآخر بحثًا عن الاستجمام والاستمتاع بالمياه الطبيعية الساخنة.
يوسف الصغيري، من مدينة تالة التابعة لمحافظة القصرين وسط غربي تونس، قال: “جئت أستمتع بالمياه الطبيعية الحارة، فقد قيل لي إنها تعالج الأمراض المزمنة”. وتابع: “وجدت المكان رائعًا بمناظره الغابية الكثيفة والخلابة”.
معلم أثري
وبخصوص تاريخ الحمّام، يقول التونسي محمد التليلي، وهو أستاذ جامعي وباحث في علم الآثار: “يوجد حول هذا المعلم التاريخي مدينة كاملة يعود تاريخها إلى القرن الثاني بعد الميلاد، وذلك حسب النقائش اللاتينية وأسلوب البناء”.
وأوضح التليلي، أن “حمام ملاق يشكّل ظاهرة لافتة، ويطلق عليه اسم (الطبيب الصامت)، نظرًا لفوائده في علاج عدد من الأمراض”.
و”في القديم”، يضيف الخبير، “كان الأطباء ينصحون المرضى بالذهاب إلى حمام ملاق، بينهم الطبيب الشهير آنذاك (سالسيس)، والذي كان ينصح مرضاه وخصوصًا جرحى الحرب، بالتداوي بمياه النبع الحارة”.
وأضاف، في ذلك الوقت أيضًا، كان الناس يتقرّبون من إلاه الطب بتقديمهم القرابين، كما كانوا يقيمون بهذا المكان لمدة 3 أسابيع للعبادة والتداوي بمياه الحمام، في ظاهرة تعود جذورها إلى أزمنة غابرة.
وفي ختام حديثه، أعرب التليلي عن أمله في أن يتحوّل الحمام في القريب إلى مركز استشفائي أو قرية استشفائية، بمواصفات تتماشى مع طابع المنطقة، وتستقطب السياح من داخل البلاد وخارجها.
وعلاوة على “حمام ملاق”، تزخر محافظة الكاف بموروث حضاري عريق، ومخزون ثقافي وطبيعي غاية في التنوع والثراء، يحكي بمعالمه وشواهده البصمات التي خلّفتها الحضارات والثقافات المتعددة التي ازدهرت في ربوع تونس.
وتقف المواقع التاريخية والأثرية والمعالم الموزعة في أرجاء المحافظة، شاهدًا على حضور بشري متميز بداية من عصور ما قبل التاريخ، مرورًا بالعهود الفينيقية والرومانية والنوميدية والعربية والعثمانية.
التعليقات مغلقة.