دليل المغتربين للعيش في “أغلى مدن العالم”
إذا كنت من المغتربين في هونغ كونغ، فإن احتساء فنجان قهوة سيكلفك ثمانية دولارات أمريكية. وستكلفك إيجار شقة غير مفروشة بغرفتي نوم في “حي معتبر” نحو 6,800 دولار أمريكي شهرياً. أم علبة حليب فسوف تكلفك أربعة دولارات.
ترجع هذه الأرقام إلى شركة ميرسر للاستشارات العالمية التي صنّفت في شهر يونيو/حزيران أكثر المدن غلاءً في العالم بالنسبة للمغتربين في تقريرها لعام 2016، بعنوان “تكاليف المعيشة”. وكانت هونغ كونغ في صدارة القائمة، وتتبعها العاصمة الأنغولية لواندا، ثم زوريخ في سويسرا، ثم سنغافورة.
وصُنّفت القائمة استناداً إلى قياس لمقارنة أسعار أكثر من 200 سلعة وخدمة في كل مدينة. وشمل ذلك أسعار السكن، والمواصلات، والطعام، والملابس، والاحتياجات المنزلية، والنشاطات الترفيهية.
ولكن هل يدفع الناس حقاً تلك الأسعار، أم هناك وسائل أخرى يتّبعها المغتربون ليعيشوا بكلفة أقل في أماكن مثل هونغ كونغ أو لواندا؟ ما الذي يجعل هذه المدن غالية إلى هذه الدرجة بالنسبة للأجانب، دون أن يشمل ذلك بالضرورة السكان المحليين؟.
يقول جستن هايفتز، وهو صحفي من الولايات المتحدة الأمريكي يبلغ من العمر 30 عاماً ويعيش بين الفينة والأخرى في هونغ كونغ منذ عام 2011، إنه لم يندهش عندما تصدّرت المدينة قائمة أغلى المدن حسب تصنيف ميرسر، لأن أسعار الإيجار “فلكية”، وارتفعت بشكل ملحوظ منذ قدومه أول مرة.
لكنه يقول إنه يمكن تفادي ذلك، كما فعل هو، من خلال العيش في حي كولون بالمدينة، الذي يقع إلى الشمال قليلاً، حيث العيش فيه أرخص بكثير من جزيرة هونغ كونغ، موطن “الحي المالي”، وكثير من الأماكن الاجتماعية للمغتربين.
ويقول هايفتز: “بإمكانك أن تعيش حياة أرخص حتى من هذا، وذلك بالعيش في ’المناطق الجديدة‘”، في إشارة إلى الجزء الشمالي من هونغ كونغ، والأقرب جغرافياً وحضارياً إلى الصين.
يتفق دين بلاكبيرن، رئيس فرع مصرف “إتش إس بي سي للوافدين”، وهو الفرع المصرفي الدولي لمجموعة “إتش إس بي سي” المخصصة لخدمة المغتربين، على أن أسعار الإيجار شكّلت أكبر النفقات بالنسبة للمغتربين، وخاصة في مدن مثل سنغافورة، وهونغ كونغ، ولندن، ونيويورك.
وحسب دراسة أجراها البنك نفسه، فإن ثلث الوافدين تقريبا حصلوا على مخصصات سكن من أصحاب العمل في تلك المدن.
ويقول بلاكبيرن: “من المهم أن يدرك العاملون خارج بلدانهم حزمة الفوائد التي سوف يحصلون عليها من أرباب العمل، وأن يتحققون من تكاليف المعيشة في البلد المضيف”.
للحصول على بدل سكن مرتفع، يقول هايفتز أنه وفر المال من نفقات مأكله، وذلك بتجنب التسوق من المتاجر غالية الثمن، التي يتسوق منها أكثر الأجانب.
وبدلاً من ذلك، تمسّك بالتسوق من المتاجر المحلية والمتاجر التي تبيع اللحوم والأسماك الطازجة. كما كانت الأطعمة المتوفرة من متاجر الشوارع ذات سعر مناسب أيضاً، حسبما يقول، إضافة إلى سيارات الأجرة والخدمات المحلية، والتي لم تكن مكلفة أيضاً.
مخاطر الاستدانة
لا يفكر جميع المغتربين بعقلية مالية، وهذا مؤكد، وفقا للسيدة كيرين بوبكر، وهي مستشارة مالية حرة ومقيمة لمدة طويلة في دبي بالامارات العربية المتحدة. وتقول إن “عقلية المنافسة مع الجيران” دفعت العديد من المغتربين ليصبحوا من كبار الدائنين.
“التقيت بعدد كبير جداً ممن ينفقون على معيشة تتجاوز دخولهم. وقد وقعوا للأسف ضحايا لمقولة إن هناك حاجة إلى العيش في فيلا كبيرة، ولشراء سيارة فاخرة، ولشراء ملابس لمشاهير المصممين وللذهاب إلى مطاعم مكلفة في جميع الأوقات”، حسبما أضافت بوبكر، الشريكة في شركة “هولبورن أسيتس” في دبي (وهي مدينة صُنفت في المرتبة 21 عالمياً في إحصاء شركة ميرسر الأخير، وهي الأكثر غلاءً في الشرق الأوسط).
وتقول بوبكر: “يُشار إليها (دبي) باعتبارها مكاناً ساحراً، حيث الهواية الرئيسية فيها هي إنفاق المال”. ويفترض الكثيرون أن ذلك نمط للعيش، ولذا فإن عليهم أن ينفقوا ما لا يقدرون عليه في الواقع.
ويمكن لانتقال عائلة للعيش خارج بلدها أن يضاعف النفقات أيضاً بسبب التكاليف الإضافية للرسوم المدرسية، والرعاية الصحية، والرحلات الاعتيادية لزيارة الوطن الأم.
في دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، لا يُعتبر الوافدون مؤهلين للحصول على التعليم المجاني. ويُفترض من الأطفال أن يبدأوا السن الدراسية بعمر 3 سنوات في المدارس الدولية أو البريطانية، أو الأمريكية التي تفرض رسوماً دراسية تصل إلى 10 آلاف دولار أمريكي سنوياً لكل طفل في رياض الأطفال، وقد تتضاعف التكاليف في مدارس المرحلة الثانوية.
وتزداد الرسوم كلما كان الطفل أكبر عمراً، ولا تشمل عموماً النثريات مثل الملابس الموحدة لطلبة المدرسة، والكتب المدرسية، واللوازم والمعدات الرياضية، والرحلات المدرسية الإلزامية إلى أماكن مثل تايلاند.
ويجب على الوافدين إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ـ والكثير غيرها من الأماكن ـ أن يدفعوا أيضاً لقاء الرعاية الصحية المقدمة من القطاع الخاص وأنواع التأمين، وهي ليست رخيصة.
وكلما كان عدد أطفالك أكثر، فإنك ستدفع أكثر. علاوة على ذلك، سيعني الابتعاد عن الأقرباء والأصدقاء افتقادك لخيار العناية المجانية بأطفالك.
وتقدم بعض الشركات، وليس جميعها، “مخصصات سفر” لرحلات زيارة الوطن. لكن من غير المرجح أن تغطي تلك المخصصات كامل تكاليف السفر والرحلات غير المباشرة ورسوم الأمتعة.
ثم هناك راحة (ونفقات) الحفاظ على عقد هاتف نقال في الوطن الأم نافذاً، إضافة إلى عقد هاتف آخر في مكان إقامتك الجديد، وواجب العودة إلى الوطن محملاً بالهدايا على الدوام.
وحسب رأي بوبكر، قلصت العديد من الشركات في دبي (التي لمست آثار إنخفاض أسعار النفط) المساعدات المقدمة للعمالة الوافدة، مثل المساعدة في نفقات الدراسة. وبدأ هذا، إضافة إلى عامل ارتفاع رسوم الدراسة والايجارات، في دفع البعض للانتقال بعيداً عن مركز المدينة بسبب الغلاء.
أنماط العيش
قبل سنتين، انتقلت تيسا فيركليف مع زوجها للعيش في سنغافورة، المصنّفة في المرتبة الرابعة من بين أغلى المدن لمعيشة الوافدين حسب إحصاء ميرسر. ويعمل زوجها في قطاع النفط. ولهما ابنتان، واحدة ذات خمس سنوات، والأخرى ثلاث سنوات.
واشترت هذه العائلة البريطانية عدة أشياء باهضة الثمن، كان أكثرها جنوناً حتى هذا اليوم، حسبما تقول فيركليف، هو ما أنفقاه على سيارة بيجو عمرها أربع سنوات. والتي كلفتهما مبلغ 70 ألف دولار سنغافوري (51,860 ألف دولار أمريكي)، لأن السيارات “باهضة الكلفة بشكل ينطوي على استغلال”.
وانتقلت فيركليف إلى سنغافورة عن طريق إعلان لوافدين سابقين في هيوستن بولاية تكساس الأمريكية.
وتقول، مثلها مثل هايفتز، إن التسوق من متاجر في الضواحي، ومتاجر الخضراوات واللحوم الطازجة في الشوارع، كان أرخص من استعمال “أسواق الوافدين” والمتاجر الغالية في وسط المدينة. وكانت الأطعمة المتوفرة من الباعة في الشوارع أفضل قيمة مقارنة بالوجبات المقدمة في المطاعم الغالية.
وتضيف فيركليف: “إذا ركزت على العيش أكثر في الضواحي، فأنا متأكدة من إمكانية العيش هنا بشكل زهيد. ومع ذلك، فالمكان ملائم للمخالطة الاجتماعية أيضا.
تقرّ فيركليف، وهي أم لطفلين، أنها وقعت في مطبّ عادات الوافدين. وتقول “عندما تعيش مظاهر حياة الوافدين في سنغافورة، يسهل كثيراً أن تشعر بجميع أوجه العيش بنمط حياة استوائية في مدينة عالمية”، حسب رأيها.
“أضف إلى ذلك، ستكون هناك من تقيم معك في البيت لتساعدك في العناية بالأطفال خلال لحظات من طلب المساعدة، وعندها سيندر أن ترفض أية دعوة”.
الخيارات المتاحة
وانتقل ميللر إلى هونغ كونغ من لندن في عام 1997 ومن ثم إلى طوكيو (الخامسة حسب تصنيف ميرسر) في عام 2004، حيث استقر فيها وتزوج من يابانية.
يقول ميللر، وهو أب لثلاثة أطفال، إنه بينما تجد الإيجارات غالية في العاصمة اليابانية، مثلما هي سلع المتاجر وخاصة تلك التي تبيع الأطعمة المستوردة، فإن الخيارات وافرة، وهناك مستويات متنوعة من الأسعار لتناول وجبة خارج المنزل.
ويضيف: “تستطيع تناول وجبة ممتازة بسعر باهظ جدا هنا. كما يمكنك أن تتناول وجبة ممتازة بسعر زهيد أيضاً”، حسبما يقول، ويتابع: “لعلها أفضل مكان في العالم لتناول وجبة رخيصة.”
بالرغم من ذلك، ذكر ميللر إن شخصاً يكسب 40 ألف جنيه إسترليني (52,900 دولار أمريكي) سنوياً وانتقل من لندن إلى هونغ كونغ سيجد “مشقة حقيقية جداً في الحفاظ على نفس مستوى العيش” نظراً لارتفاع الأسعار.
ويقول إنه من الممكن ترتيب ذلك في طوكيو، “لكن فقط إذا كنت مقتصداً، فمن السهولة بمكان إنفاق هذا المبلغ خلال شهر هنا”.
الراحة ووسائلها
العاصمة الأنغولية لواندا، التي تصدّرت في السابق قائمة تصنيفات ميرسر، لكنها في هذه السنة جاءت في المرتبة الثانية بعد هونغ كونغ، ترتفع فيها تكاليف المعيشة جدا للوافدين والسكان المحليين على حد سواء، ولا تزال آثار الحرب الأهلية الطويلة التي انتهت في 2002 تخيم عليها.
ويعتمد البلد الأفريقي على استيراد جميع المواد الغذائية تقريباً، ويستشري الفساد الإداري فيه، وهناك عمليات احتكار واسعة النطاق تؤثر على ارتفاع الأسعار بشكل مصطنع، مع أن الوافدين يميلون إلى دفع أسعار أكثر لأنهم لا يشترون بكميات كبيرة، أو من متاجر ذات نفقات أقل.
وتعيش العاصمة التشادية نجامينا (ترتيبها التاسع حسب لائحة تصنيف ميرسر) حالة مشابهة. وتقول سيليست هيكس، وهي مراسلة سابقة لدى بي بي سي في تشاد: “وجود نجامينا ضمن هذه اللائحة غير متوقع، لأن تشاد من بين أكثر الدول فقراً في العالم”.
ولكنها أوضحت قائلة: “تكاليف العيش بالنسبة للوافدين باهظة الثمن بشكل غير متناسب، نظراً لارتفاع تكاليف المواد المستوردة. وليس للبلد منفذ بحري، وتبعد أكثر من ألف كيلومتر عن أقرب ميناء في مدينة دوالا بدولة الكاميرون. كما أن الضرائب العالية، ووجود حكومة تنقصها الكفاءة، وانتشار الفساد، كلها تلعب دورا”.
رغم ما ذُكر، ومثل هونغ كونغ وسنغافورة، من المؤكد أنه يمكن إنفاق مبالغ أقل حتى في أماكن مثل لواندا ونجامينا وكينشاسا (المصنفة سادساً) إذا ما عرفت أين تبحث، وتحدثت بمهارة لغوية مع سكانها، وتوفرت اللوازم المطلوبة لكي تمنع استغلالك.