هل سينتهي عصر شاشات المقاعد في الطائرات قريبا؟

شعرت شركات الطيران بأن هناك ما يدفعها لتوفير وسائل الترفيه لنا بشكل مستمر خلال رحلاتنا الجوية. فهل دخول خدمات الإنترنت اللاسلكي “واي فاي” يوشك أن يغير الطريقة التي نحصل بها على الترفيه فوق السحاب؟

في عام 1936، وبعد مرور ما يربو على عقد من الزمن من بدء رحلات الركاب الجوية، زود المنطاد الشهير “زيبلين هندينبيرج” بآلة بيانو كاملة الأجزاء، إلى جانب اتساعه لصالة فسيحة، وغرفة طعام، وغرفة تدخين، وحانة شراب.

وقبل ذلك كان من المعتاد أن تحمل هذه المناطيد عددا من الموسيقيين الذين يعزفون على آلات أصغر حجماً مثل الأوكرديون، وذلك لمساعدة الركاب على قضاء أوقاتهم، وهي بالساعات (والأيام)، دون ملل.

ويبدو أن الرحلات الجوية الطويلة كانت تحتاج دوماً إلى وسائل التسلية التي لا تجعل الركاب يشعرون بالملل.

 



وبعد الحرب العالمية الثانية، وحتى التسعينيات من القرن العشرين، كان أقصى ما يتمناه الراكب هو مشاهدة فيلم في مقدمة الكابينة. وجرى ذلك أولا باستخدام عاكس للصورة (بروجيكتور)، عن بعد، بضع شاشات تتدلى من السقف في أماكن متفرقة من الطائرة.

 

كانت بعض شركات الطيران تعرض الموسيقى على الركاب أولا عن طريق أنابيب هوائية صغيرة تضخ الموسيقى إلى أذنيك، ثم تطور ذلك فيما بعد لتنساب الموسيقى عن طريق سماعات كهربائية حقيقية تضعها في قابس كهربائي في ذراع المقعد.

أما الآن فقد باتت عملية إمتاع المسافر مهمة تجارية جادة، وهي لا تتأتى بدون ثمن؛ إذ تنفق شركات الطيران ما قد يصل إلى 15 ألف دولار على المقاعد المزودة بجهاز تلفاز، أو أفلام، أو ألعاب حسب الطلب طيلة المسافة التي تقطعها الطائرة بحسب شبكة بي بي سي.

لكن أدوات التسلية والمتعة أثناء الرحلات الجوية باتت على وشك المرور بعملية تحول أخرى، إذ أصبحت الطائرات متصلة بشبكة الإنترنت. فكيف سيغير ذلك تجربتك مع الطيران؟

إرسال حسب الطلب

إن واحدة من أكبر عوامل تغيير قواعد اللعبة في هذا المجال هو توفر الإنترنت الآن عبر الأقمار الصناعية. وقد أضحت خدمات “الواي فاي” الآن متوفرة بصورة اعتيادية على متن العديد من الرحلات الجوية الأمريكية، وأماكن أخرى من العالم تلاحق هذا التطور.

لكن هذه الخدمة ليست مجانية في معظم الأحيان، إذ يتعين على الراكب أن يدفع حوالى 5 دولارات في الساعة أو 16 دولاراً لليوم الكامل للدخول على الإنترنت. بيد أن المزيد والمزيد من شركات الطيران توفر هذه الخدمة.

وفي السنوات الخمس الماضية، اشتركت أكثر من 60 شركة طيران تستخدم طائرات إيرباص في هذه الخدمة، بحسب غريغور ديركس من شركة إيرباص.

وبالرغم من التكلفة، فإن توفر خدمة الواي فاي يؤثر في اختيار الركاب أي شركة طيران يستخدمون، وأي طائرات يستقلون. ويشير تقرير لعام 2014 أصدرته شركة “هانيويل ايروسبيس” إلى أن “ثلثي المشاركين في استطلاع للرأي يبحثون عن الطائرات المزودة بخدمة واي فاي كي يظلوا في حالة إنتاجية، واستمتاع، واتصال بالعالم الخارجي أثناء الرحلة.”

وقد تبين لنا كذلك أن المسافرين على استعداد لتقديم تضحيات لضمان أن تتوفر خدمة الواي فاي على متن الطائرة بما في ذلك تحمل إجراءات أمن المطارات مرتين، وكذلك الذهاب مبكراً إلى المطار لإتمام إجراءات السفر إذا كان المقابل هو سرعات الواي فاي، كما يقول ستيفن بريكن من شركة “هانيويل ايروسبيس”.

لكن توفير الدخول إلى خدمة الواي فاي في الجو يتعلق بأكثر من مجرد إشباع نهم الركاب للبقاء على اتصال بالعالم الخارجي؛ فتوفر خدمة واي فاي سريعة يعتمد عليها على متن الطائرات يمكن أن يكون نعمة بالنسبة لشركات الطيران.

تقول أناهيتا بونيجار من شركة “انتر- ترست” للتكنولوجيا، والتي تهتم بصناعة نظم الترفيه على متن الطائرات: “قد لا يكون الأمر واضحاً لمعظمنا، لكن السبب الذي لا يجعل الطائرات الأصغر حجماً والأضيق مساحة- مثل البوينغ 737، وإيرباص 320- لا تتوفر على هذه النظم المتطورة والراقية هو الوزن والتكلفة”.

 



فهي خدمة مكلفة بالفعل، فالإنفاق على صيانة نظام “آي إف إي” كان ثالث أكبر إنفاق بالنسبة لشركة “اير فرانس” عام 2011 على سبيل المثال، بعد دفع تكلفة صيانة المحركات ومعدات الهبوط. وقد تبلغ التكلفة نحو 7.8 مليون دولار لكل طائرة، ويعتمد هذا على نوع النظام المستخدم والتهيئة الفنية له.

 

وذلك يعني أن كل مقعد يكلف نحو 15 ألف دولار لتهيئته لهذا الاستخدام، كما يقول سباندرمان.

والتخلص من هذه المقاعد عالية التكلفة أمر بات يحدث بالفعل. وقد قررت شركة “أوبين سكايز” الفرنسية عدم تزويد أسطولها من طائرات البوينغ 757 بأجهزة الفيديو التقليدية التي توضع في مقاعد المسافرين.

لكنها قامت عوضاً عن ذلك بتوزيع 500 جهاز “آي باد” على الركاب، وكل جهاز منها مزود سلفاً بجملة متنوعة من الفيديوهات. وبهذه الطريقة انفقت الشركة نحو 250 ألف دولار لكل طائرة بدلا من 3 ملايين دولار.

ومنذ ذلك الحين تطورت التكنولوجيا، وتريد شركات الطيران أن تخطو بها خطوة أخرى، والهدف هو توفير خدمة الفيديو حسب الطلب، والذي يصل مباشرة إلى أجهزة الراكب الخاصة باستخدام الواي فاي المتوفر داخل الطائرة.

وفي أمريكا الشمالية، أصبحت شركات “ساويثويست أيرلاينز”، و “يونايتد”، و “دلتا” و “جيتستار” ضمن الشركات التي تسمح للركاب بتوصيل الفيديوهات بالأجهزة الشخصية. كما تقدم شركات أخرى خدمات مماثلة، منها شركة “كانتاس الأسترالية”، وشركة الخطوط الجوية النرويجية، ومونارك، ولوفتهانزا الألمانية.

لكن المحتوى لا يكون محدوداً بما تم تحميله مسبقاً من قبل شركة الطيران. ففي أوائل يونيو/حزيران، عرضت شركة طيران “جيت بلو” خدمة أمازون برايم على ركابها أثناء الطيران.

لكن كان هناك فخ ما، فرغم أن خدمة الواي فاي على متن طائرات “جيت بلو” مجانية، لن يكون توصيل الخدمة متاحا سوى لأولئك الذين يستخدمون خياراً تقنيا أقوى، والذي يكلف 9 دولارات في الساعة الواحدة.

عثرات على الطريق

ومع ذلك فهناك تحديات تعترض سبيل تبني هذه التقنية على نطاق واسع، ليس أقلها إيجاد النطاق الترددي الكافي للسرعات الملائمة التي تسمح بتوفير الخدمة بشكل ممتاز.

والشركات على ثقة بأن هذه المسألة مؤقتة وستحل بفضل توفر المزيد من الأقمار الصناعية التي تدخل الخدمة.

يقول بريكن من شركة هانيويل:”مع دخول شبكة الأقمار الصناعية “جي إكس أفييشن” الخدمة التشغيلية في وقت لاحق هذا العام، أصبح لدينا كوكبة متخصصة من الأقمار الصناعية، ومن ثم تتوفر الأجهزة التي تزود الركاب بسرعات الواي فاي التي تتيح لهم تنزيل الأفلام، وألعاب الفيديو والبقاء على اتصال بالعالم الخارجي، كما يفعلون تماما وهم على سطح الأرض “.

وهناك مشروعات أقمار صناعية أخرى مثل “انمارسات” ومنتجها القادم “جلوبال اكسبريس”، من شأنها أن توفر نطاق الإنترنت فائق السرعة “البرودباند” في الجو.

 



وخلافاً للقضايا المتعلقة بخدمة الإنترنت فائق السرعة، هناك تحديات مثل عمر البطاريات، والاختزان، ومحدودية خيارات المحتوى، وزوايا الأماكن والمشاهدة (بعض الطائرات يوفر الآن حوامل للأجهزة اللوحية في ظهر المقاعد).

 

وفضلا عن ذلك، هناك مخاطر أمنية لوجود خدمة “واي فاي” يمكن قرصنتها على متن الطائرة.

ثمة مشكلة أساسية أخرى يتحدث عنها نوربرت مولر، نائب رئيس قسم النظم بلوفتهانزا، وهي كيفية ضمان وتوفير مثل هذه الخدمات في أسطول الطائرات في حين أنه “في معظم الحالات لا تكون الخدمات مجانية، كما أن الرسو، وبخاصة رسوم التوصيل، هي أعلى بكثير من الرسوم التي تفرض على الأرض”.

إذن، ما الذي يحمله المستقبل لراكبي الطائرات؟ لدى إيرباص وبوينغ مفاهيم وتصورات تظهر الاستخدام المكثف لتطبيقات ويندوز وشاشات التصوير التجسيمي لعرض برامج التسلية على متن الطائرات.

ومن الأمور موضع النظر التي تنال الاهتمام الآن شاشات “مالابيل اتش دي” شديدة الوضوح التي يمكن أن تلتوي وتتحرك، وكذلك الشاشات ثلاثية الأبعاد، أو بيئات الواقع الافتراضي.

وفي القريب العاجل، ربما نستطيع التحدث إلى الأصدقاء على الأرض من خلال نظام التصوير التجسيدي الذي نحصل عليه على متن الطائرة. بل وسيكون بإمكاننا استخدام قفازات خاصة نحتضن بها أحباءنا وهم على بعد مئات الأميال منا.

ربما يبدو ذلك بعيد المنال، أليس كذلك؟ لكن هذه التكنولوجيا “موجودة بيننا” بالفعل، كما يقول مارتن ريموند، المؤسس المشارك لشركة “فيوتشر لابوراتوري” التي تعاونت مع محرك البحث الخاص بالسفر سكاي سكانر لتأليف “تقرير مستقبل السفر 2024 “.

يقول مارتن إن النماذج الأولية موجودة، وقد تكون باهظة التكلفة الآن، لكن من المتوقع أن تنخفض أسعارها عندما تسوق على نطاق واسع .

والتغيير الأكبر في المستقبل القريب سيدور دائما حول القدرة على توصيل الخدمة. ويقول آل سان جيرمان، نائب شركة “سبافاكس” الأمريكية المعنية بالتسويق داخل الطائرات: “التحدي الأكبر لأي شركة طيران ناقلة هو إدارة توقعات المسافر”.

ويتفق تيري بوتراتز، مدير تحرير مجلة “أبيكس اكسبيرنس” مع ذلك الرأي، ويقول: “الكثيرون ينظرون إلى تجربتهم أثناء وجودهم على متن الطائرة بأنها الحصن الأخير للخصوصية، وفرصة لإطلاق العنان لرغباتهم. وأعتقد أننا محقون في تصور ما يريده المسافرون، كما أن التحول باتجاه التواصل الدائم في الجو يشهد حراكا كبيرا”.

flight