بالصور .. سحر الطبيعة الخلابة في سلوفينيا

حين يباح المُحال.. تستفيق الذكريات دفعة واحدة فتوحدك مع أغنية الطبيعة الهاربة، وتشكلان جسداً واحداً نحتته زهور النرجس والقرنفل؛ لينشر عبيراً مسكراً محملاً على أجنحة السحاب.
هي رحلة.. نعم.. لكنها سفر من أسفار الأساطير التي ترتقي بالسحر والحب إلى المنتهى.. رحلة تعبر فيها أنهاراً وبحيرات وجبالاً خضراء تفتن العين، وترقى بالفؤاد حباً يلامس أفق السماء.
هي رحلة كما الحلم يسمو ليأخذك إلى عوالم تغسل الروح، وتفعل بالقلب ما تشاء.
لنبدأ سِفر الحكاية من دعوة وجهتها لنا هيئة السياحة السلوفينية، بالتعاون مع شركة فلاي دبي للطيران، لزيارة ذاك المكان الوليد الذي يختصر الجمال.

من دبي انطلقنا.. مجموعة من الإعلاميين، كانت «سيدتي» المجلة العربية الوحيدة بينهم، اجتمعنا في المطار حيث استقبلتنا ممثلة هيئة السياحة السلوفينية وممثلة طيران فلاي دبي بكل ترحاب ودماثة.
بعد نحو ست ساعات من الطيران حطت الطائرة في مطار زغرب، وهناك كانت مرافقتنا «بيترا» بانتظارنا مع سيارة مريحة وفاخرة، لتقلنا إلى سلوفينيا، وما إن اجتزنا الحدود البرية بين البلدين، حتى بدأت الطبيعة تعزف سيمفونيتها المتخمة بالألوان التي تتوشح بها الغابات الخضر الممتدة إلى الأفق والمتراكمة في كل مكان.

الطريق إلى ماريبور
وجهتنا الأولى كانت إلى مدينة «ماريبور» (Maribor)، وهي ثاني أكبر مدن سلوفينيا، وتقع على الضفة اليسرى لنهر درافا عند نقطة تلاقي جبال بوهويي مع كل من وادي برافا وتلال برافا وسهول كوزياك وسلوفينسكا جوريس.
محطتنا الأولى على الطريق كانت في قرية صغيرة تضم أشهر مطاعم سلوفينيا يسمى Denk، حيث تناولنا طعام الغداء فيه، وهو يتموضع على حدود غابة طبيعية خلابة ولديه شرفة خشبية واسعة يمكن الجلوس فيها لتناول ألذ الوجبات والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة.
بعد تلك الاستراحة واصلنا طريقنا إلى المدينة العتيدة، حيث وصلنا في وقت كانت خيوط الشمس تعلن نهاية مهمتها اليومية مرسلة ألوان الشفق الأرجواني المزركش بالبرتقالي الآسر، لتنعكس على صفحة النهر الرقراق المسكون بطيور البجع المتبخترة كأميرات من أساطير معلنة.
جولة في المدينة
مشوارنا الليلي بدأ من أقدم بيت لصناعة النبيذ، على كتف النهر، والذي يقع في وسط المدينة القديمة (بنيت في القرن الثاني عشر)، وفيه شاهدنا أقدم شجرة كرمة في العالم مزروعة على مدخل البيت (المتحف) وتعود إلى 400 سنة خلت، وهي التي دخلت موسوعة غينيس كأقدم شجرة كرمة في العالم.
من هناك انتقلنا لنتعرف إلى أهم المعالم الرئيسة فعرجنا على قلعة المدينة (مستنى غراد) التي تعود إلى القرن 15، وعلى الحافة الجنوبية للبلدة القديمة عبرنا الساحة الرئيسة (غلافني غراد) وفيها نصب تذكاري مزخرف عن ذكرى الطاعون الذي قتل ثلث سكان المدينة (1680 ـ 1681).

وقادنا دليلنا إلى ساحة سلومشكوف ترغ، في الجزء الغربي من البلدة القديمة، وفيها كاتدرائية ستولنيكا، وحديقة حوض مياه وتمثال كورلك الصغير، وتحيط بها مبان مهمة وتاريخية مثل جامعة ماريبور، والمسرح الوطني، ومبنى البريد، وهناك برج المياه الدفاعي العائد إلى القرن 16.
وفي وسط هذا التاريخ العريق تجد ساحة مصممة بأحدث التصميمات المعمارية، والتي تقام فيه بعض الفعاليات المهمة للشباب، في رؤية لمزج العمارة القديمة بالحديثة.
اللافت في المدينة أنها لا تهدأ، فالشوارع والمطاعم والمقاهي مليئة باستمرار بالحياة والناس، والموسيقى تصدح بنعومة في مختلف الأماكن.

فندق في الغابة
بعد تلك الجولة السريعة انتقلنا إلى فندقنا الغريب (CHATEAU RAMŠAK)، الواقع على أطراف المدينة على سفح جبل غارق في الخضرة، وما إن وصلنا حتى استقبلنا مالك الفندق وزوجته اللذان يديران المكان بمساعدة بعض الموظفين، والجميل المدهش أن هذا المنتجع الفاخر ليس بناء عادياً؛ إذ صممت غرفه الحديثة في داخل خيم من قماش خاص وفي داخلها الغرفة الخشبية البديعة.

وادي لوغار
من هناك انطلقنا إلى وادي (لوغار) في منطقة (لوغارسكا دولينا)، كانت المناظر التي يمتاز بها المكان تجعل الكلمات عاجزة عن الوصف، فالجبال والوديان والسهول في كل الأرجاء تزهو بخضرة تبهر العين.. بعدها قمنا بزيارة (TIC Rinka in Solčava)، تلك القرية الوديعة التي تضم متحفاً صغيراً يتضمن معلومات عن الإنسان الأول والكهف الذي يعود إلى أكثر من مليوني عام، كما يقدم معلومات وافية عن الزراعات والصناعات المحلية التي تقوم عليها المنطقة. ثم انتقلنا في مغامرة لتسلق أحد الجبال الشامخة، مشياً على الأقدام لنصل إلى القمة؛ حيث يتساقط شلال Rinka Falls المذهل من قمة الجبل إلى أسفل الوادي.
عند الظهيرة، كنا على موعد للغداء في فندق Plesnik، الذي يقع في سهل أخضر مدهش بين أحضان الجبال المكسوة بالغابات الكثيفة، وفيه قدموا لنا أطباقاً تقليدية خاصة، مصنوعة من مواد طبيعة بالكامل.

(ليوبليانا) النابضة بالحياة
بعد تلك الوجبة المتميزة، بدأ مشوارنا باتجاه العاصمة (ليوبليانا)، ولم تكن المناظر الطبيعية طوال الطريق تختلف عن بقية المناطق التي عبرناها.

في الساعة الخامسة تقريباً وصلنا إلى فندق Grand Hotel Union Business الواقع في مركز المدينة، الأمر الذي أتاح لنا فرصة التعرف إلى الحياة النابضة في المدينة الحلوة، التي يخترقها نهرها الشهير كقلادة تلوح على نحر حسناء أسطورية.
في الساحة الرئيسة التي تتفرع منها شوارع وأزقة ترى الناس يعيشون ساعاتهم بكل شغف، فتنتشر عربات الباعة للمصنوعات التقليدية، من إكسسوارات وجلديات وتحف، بينما تحتل المحلات المتنوعة (من بينها أشهر الماركات العالمية) جانبي كل شارع من شوارع المدينة، واللافت أيضاً كثافة مقاهي ومطاعم الرصيف.
في المساء كان موعدنا في Restaurant JB الحائز على نجمة ميشلين الفرنسية العالمية الشهيرة التي تقدم لأفخر المطاعم في العالم، وهناك قدم لنا الشيف وجبة أثبتت أنه يستحق تلك الميدالية الدولية المعروفة.
بعدها كان من المفيد أن نقوم بجولة في الشوارع القريبة لنطلع على أجوائها المتخمة بالموسيقى والسهر، خصوصاً أنها كانت ليلة عطلة نهاية الأسبوع.

رحلة نهرية
صباحاً، سرنا بمحاذاة المدينة القديمة، على ضفة نهر ليوبليانا قاصدين الزورق الذي ينتظرنا لنقوم برحلة نهرية رائعة لمدة نصف ساعة تقريباً، لمسنا فيها جمال المدينة ببيوتها المزينة بالورود وأسطحها القرميدية.
في الختام، بدأت جولتنا في Novi trg وهو واحد من أقدم ثلاثة أسواق في ليوبليانا، ولن تستطيع مقاومة الشراء حتى ولو قطعة بسيطة واحدة تذكرك بالمكان كلما رأيتها بين يديك.. كم تزدحم المنطقة بالمطاعم والمقاهي، والمحلات المتنوعة.
ومررنا من أمام جامعة ليوبليانا، وكنيسة الفرنسيسكان الوردية، ودار الأوبرا والمسرح، ومتحفها الوطني وهو واحد من متاحف عديدة، منها متحف الأنثروبولوجيا، ويضم رسومات تحكي قصة التنانين الخضر الأربعة والأميرة، وهي أسطورة سلوفينية تتناقلها الأجيال.. بعد ذلك زرنا القلعة المدهشة المتموضعة على تلة عالية جداً، يتم الوصول إليها بوساطة تلفريك خاص.
الليلة الأخيرة
عند منتصف النهار توجهنا إلى بلدة Kamnik الواقعة في شمالي البلاد، وفي طريقنا تناولنا طعام الغداء في Gostilna Repnik، وهو فندق صغير في بقعة خلابة.

من هناك توجهنا إلى Dolenjske toplice، لنستمتع بمساج وحمامات سباحة وساونا، وذلك في balnea spa، الذي يقع على تخوم سلسلة جبلية مدهشة.

وقت العشاء كان مخصصاً لزيارة قلعة Otočec Castle، التي تم تحويلها إلى فندق فاخر (5 نجوم)، والواقعة في جزيرة صغيرة داخل نهر Krka.
يومنا الأخير في سلوفينيا الخلابة، وخلال توجهنا إلى مطار زغرب، حمل لنا مفاجأتين، زيارة متحف The Land of Hayracks في Šentrupert، الذي يحكي تاريخ الأبنية الخشبية وحياة المزارعين وتطورها، وفيه تقام العديد من الاحتفالات وحفلات الزواج، قبل أن ننتقل إلى Gorišek Cheese Farm في قرية Mokronog، لنعيش تجربة تذوق أنواع الأجبان العديدة والتي تتنافس في مذاقاتها الطيبة إلى درجة كبيرة.

*نقلا عن سيدتي نت

سلوفينياسياحةطبيعة
Comments (0)
Add Comment