فهد الاحمدي
قريبا سيصبح السفر إلى الفضاء مثل السفر هذه الأيام بين الرياض وجازان أو عسير والدمام.. فحلم الصعود في الفضاء، سبق حلم الإنسان بالطيران.. فجميع الأمم تملك أساطير تتحدث عن النزول من السماء، أو التجول بين النجوم، أو القدوم من كواكب بعيدة، أو حتى دخول الإنسان بعد وفاته عبر بوابة خاصة في السماء.. وحين ظهر أدب الخيال العلمي دارت قصص كثيرة حول هذا الموضوع وصورتها كنزهة عائلية مريحة تتم في بيئة مترفة (لدرجة أن المسافرين في مسلسل ستارترك كانوا يعيشون في غرف واسعة تتمتع بالجاذبية ولا يحتاجون فيها لبدل فضائية)..
وحين هبط الإنسان على سطح القمر في نهاية الستينيات توقع الكثيرون إنشاء فنادق فضائية فوق القمر بحلول عام (2000).. وكانت القناعة كبيرة لدرجة أن شركة بانام للطيران أسست ما عرف حينها بنادي الرحلات القمرية وفتحت قائمة انتظار لمن يرغب بزيارة القمر (فور اكتمال التحضيرات).. وأذكر شخصيا أن شركة سبيس أكبيدشن قدمت عروضا سياحية للدوران حول الأرض في طائرة فضائية شرعت في صنعها (عام 1986) بقيمة 50 ألف دولار للتذكرة، ولكنها فشلت في تحقيق هذا الوعد ودخلت في نزاعات قضائية تسببت في إفلاسها.
على أي حال؛ الفكرة بحد ذاتها ليست مستحيلة كون البشر صعدوا منذ عقد الستينيات إلى الفضاء الخارجي، ومازالوا يفعلون ذلك حتى اليوم.. الفرق هو أنهم “رواد فضاء” يخضعون لتدريبات شاقة وتتحمل الدول العظمى تكاليف صعودهم ونزولهم.
غير أن تقدم التقنيات الفضائية ساهم ليس فقط في تخفيض التكاليف، بل وتوفير بيئة آمنة للمسافرين المدنيين.. فتكاليف حمل رائد الفضاء أرمسترونج إلى القمر قدرت في نهاية الستينيات بـ165 مليون دولار، ولكن بحلول عام 2001 دفع رجل الأعمال الأميركي دنيس تيتو والجنوب أفريقي مارك شاتلورث 20 مليون دولار فقط للصعود للمحطة الفضائية الروسية (ودخلا بهذا التاريخ كأول سائحين فضائيين قضيا إجازتيهما خارج الأرض)!
وبالإضافة لوكالة الفضاء الروسية هناك شركة أميركية تدعى Space Adventures تقدم خدمات السياحة الفضائية في المحطة الدولية ISS.. وخلال ثماني سنوات أتاحت الفرصة لسبعة بليونيرات لتحقيق هذا الحلم دفع كل منهم ما بين 15 إلى 35 مليون دولار (في حين دفع المليونير الكندي جاي ليليبرت 40 مليون دولار نظير 11 يوما قضاها في المحطة الدولية في أكتوبر 2009)!!
من كل هذا ندرك أن مستقبل السياحة الفضائية مرهون بارتفاع عدد المشغلين وانخفاض كلفة الرحلات ذاتها.. وأنا شخصيا أتوقع حدوث ذلك بالتدريج (كما حصل مع رحلات الطيران التقليدية) بحيث يتاح للجميع مستقبلا السياحة في الفضاء بأسعار معقولة، شاملة وجبات الإفطار والمبيت على سطح القمر أو المريخ.
*نقلاً عن صحيفة الرياض