سفاري نت – متابعات
كطفل صغير يغفو على حافة الخور، يتمدد حي الفهيدي التاريخي في دبي التي تعودت أن تغسل شعرها مع إطلالة كل صباح، في أزقتة الضيقة تشعر وكأنك تسير في دروب الماضي، فجدران بيوته لا تزال تنبض بأصوات سكانها الأوائل، فيما تضوع برائحة البخور التي تعبق في المكان الذي ارتفعت براجيله لتعانق الشمس، تلك المشيدة من الحجر المرجاني والجص وخشب الساج والشندل، وسعف وجذوع النخيل. كل ما في المكان يشهد على تاريخيته نقلا عن موقع البيان.
الهدوء يغلف أزقة الحي، لا يكسر حدته سوى أصوات خطوات السياح، ونقرات كاميراتهم التي يحفظون بذاكرتها صوراً تفيض بلحظات جميلة قضوها في أحضان الماضي، وهم يتنقلون من بيت لآخر، لم تترك خاوية بعد أن غادرها أصحابها، وإنما تحولت إلى متاحف، ومزارات تحفظ بين جدرانها شيئاً من تراث الدولة، وأكوام من البخور والهدايا التي تحمل على صدورها صوراً من دبي، يتسابق عليها السياح وزوار المكان، حيث الجميع يود الاحتفاظ بشيء من رائحة المكان، الذي يحتضن «خنجر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه»، وغيرها من الخناجر العربية، التي تشكل جزءاً من التقاليد الإماراتية، والتي حفظت في علب زجاجية، تتخذ من متحف «بيت الخنير» مقراً لها، والذي ما إن تلج بوابته الصغيرة، حتى تحظى بتجربة ثقافية مذهلة، حيث المتحف لا يقتصر فقط على عرض الخناجر، وإنما على رموز تراثية، وصور تاريخية تمثل أجيالاً عديدة من حكام الإمارات ومواطنيها، وهم يتباهون بحمل الخناجر التي تشكل جزءاً أساسياً من لباسهم التقليدي.
أنماط
حي الفهيدي، الذي يعكس من خلال مبانيه، أنماط العيش التقليدية في دبي، بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر، وحتى سبعينيات القرن الماضي، يبدو ثرياً بذكرياته وفعالياته ومحاله التجارية، والمقاهي التي تفتح أبوابها على التاريخ، حيث تفوح من بين أروقتها روائح الهيل والقهوة العربية، التي تقدمها المقاهي بأسلوب عصري، في وقت لا تبخل عليك بتوفير بعض الكتب التي يمكن لها أثناء تناولك لفنجان قهوتك، أن تغني وقتك بالمعرفة.
مع مرور الزمن، لم يعد حي الفهيدي، مجرد مزار تاريخي، وإنما تحول إلى أشبه بمركز فني، فبعض حيطانه تحولت إلى جداريات فنية، واحدة منها تحتفي بـ «مسبار الأمل»، وأخرى بالخط العربي، فسنوياً تعمر «سكيك» الحي بعشرات الأعمال الفنية التي تتنافس على قلوب زوار معرض «سكة الفني»، كما يستضيف الحي عديد الفعاليات الثقافية والفنية الموسمية مثل «برنامج الفنان المقيم» و«أسبوع التراث»، والتي تتجاوز مع متحف القهوة، ودار الندوة، وبيت الخط العربي، ومجلس العريش، ومتحف السكوك الذي يعرض تاريخ النقود النادرة في الإمارات، كما يضم أيضاً مركز الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للتواصل الثقافي والحضاري، الذي يعمل على تقديم صورة حية وحقيقية عن التراث المحلي والثقافة والمجتمع الإماراتي.
الجولة في حي الفهيدي، لا يمكن أن تمضي من دون زيارة متحف دبي، الواقع في الجهة الجنوبية من خور دبي، بالقرب من منطقة السوق الكبير حالياً، وبجوار ديوان سمو الحاكم، حيث يعود تاريخ تشييد الحصن إلى عام 1787 ميلادية.
المتحف رمم في عهد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، وافتتح في عام 1971، ليكون متحفاً رسمياً تطل من نوافذه على تاريخ دبي وتراثها الأصيل.
في هذا المتحف يمكن للزائر الاطلاع على مختلف بيئات الحياة الحضرية والريفية في دبي من بحرية، وساحلية، وصحراوية، وجبلية، وزراعية. وتتوزع القطع الأثرية النادرة، والعينات الأصلية، واللوحات والنماذج التوضيحية، والمواد الصوتية والضوئية في مختلف أجنحة المتحف الذي يضم جناح الآثار الذي يعرض المكتشفات الأثرية من أوان فخارية، وأسلحة، ومدافن، ومبانٍ ومجتمعات عمرانية، وجناح دبي الماضي والحاضر، وجناح السوق في خمسينات القرن العشرين الذي يعرض نماذج تفصيلية عن السوق، والباعة، والدكاكين، والبضائع المتداولة في تلك الفترة، وجناح البيت التقليدي والمسجد، وجناح الواحة، والصحراء، وقصة الماء، والصحراء ليلاً.
وجناح الفلك والظواهر الطبيعية، وجناح البحر الذي يطلعنا على صناعة السفن وأدوات الصيد، ومهنة الغوص على اللؤلؤ، والحياة البحرية في قاع الخليج العربي. وجناح الفنون الشعبية، وجناح الأسلحة وتحصينات دبي القديمة.