سفاري نت – متابعات
للوهلة الأولى لا يبدو للناظر إلى هذا الجزء من جبال الأطلس الكبير، أي اختلاف. فمن بعيد تبدو واجهة الجبل صخرية ولا شيء مُميز فيها.
وأنت تقترب رويداً رويداً، وكُلما ارتفعت عن مستوى البحر، وُكلما اقتربت أكثر، تتبين معالم إبداع بشري فريد، وتكتشف مخازن طبيعية، كانت على مر قرون ملاذ الرحل والمُقيمين، لحفظ متاعم وغذائهم.
معمار فريد
بين من يُسميها بـ”المطامر العالية”، ومن ينعتها بـ”المخازن المُعلقة”، وقريباً جداً من “تيحونا أوجكال”، الإسم الذي يتداوله أمازيغ المنطقة بخصوصها، تُشكل المخازن التاريخية لأوجكال، موروثا تاريخياً وثقافياً عريقا، يُغذي الثروة اللامادية للمملكة المغربية.
في عمق جبال الأطلس الكبير، وبالضبط منطقة تُسمى “جماعة بوتفردة”، قريبا من مدينة بني ملال، وسط المملكة المغربية، وعلى علو يتجاوز الألفي متر عن سطح البحر، تُطل مخازن أوجكال من حافة جُرف منيع، على وادي عطاش.
معمار فريد يعكس الإبداع الكبير للمغاربة الذين عاشوا في المنطقة إبان القرنين 17 و 18 ميلاديين، ليُشكل مخازن على ارتفاع شاهق، مُطلة على تشكيلات طبيعية رائعة للنهر المنعرض أسفلها، ومُزدهية بألوان تتمايز بحسب كُل فصل.
غرف للتخزين
تتكون من قسمين، لكل واحد منها ما بين الـ 350 والـ 400 غرفة للتخزين، فجزء منها يُسمى “المخازن العليا”، وهي مخازن يولج إليها من فتحات توجد على سقفها، و”المخازن السفلى” التي يولج إليها من باب في الأسفل.
قسما المخازن يربط بينهما ممر فيه أدراج خشبية، والوصول إلى الممر يُعتبر صعباً للغاية، نظراً لصعوبة التضاريس، وأيضاً لكثرة المُنعرجات، التي قد يتوه فيها غير العارف بتفاصيل المنطقة، لهذا يُنصح الاعتماد على دليل سياحي، أو أحد أبناء المنطقة، عند زيارة هذه المآثر التاريخية.
هذه المخازن تُوزع على القبائل بحسب عدد سكانها، لكنها لاتوضع تحت التصرف المباشر لأهل القبيلة، فحراسة المخازن توكل إلى شخص يُجمع عليه الساكنة، ويوضع رهن إشارته ما يحتاج من موارد لحماية هذا المتاع وما معه من مؤونات.
قُدسية وشروط
هذا الحارس لا يتواصل إلا مع زعماء القبائل وكبار العائلات، الذين لا يسمح لهم بلوج المخازن إلا بعد الإدلاء بكلمة سر لا تكون مشاعة للعموم. وحتى استخراج المتاع كان مُحاطاً بشروط صارمة، على رأسها أن يتم ذلك في واضحة النهار، من بعد صلاة الصُبح حتى العصر، خوفاً من أي اعتراض لقطاع الطرق، نظراً للمسافة التي تبعد بها المخازن عن مقرات سُكنى القبائب.
ومن الشروط الصارمة التي تُحاط بها هذه المخازن، ما يتعلق بالحارس، إذ يُشترط فيه مقتدر الحال، غير مُحتاج للمال أو المتاع، وذلك تلافياً لأي اختلاس أو سرقة لما يوجد بداخلها. وفي نفس الوقت، أن لا يكون غنيا فاحش الثراء، حتى لا يستغني عن حراسة المخزن.
للمخازن قُدسية كبيرة، إذ لا يُسمح لاستعمالها لغير تخزين المتاع والمُؤن، إذ لا يُقيم بها غير الحارس وعائلته، وهي المهنة التي تمتد إلى أن يتوفى الله صاحبها، فالحارس يظل قيماً على المخازن طيلة حياته، يتلقى فيها أجرة تُقدر بمقدار من الشعير أو شاة، تُقدمها له كُل عائلة.
تاريخ عريق
استخدام هذا النوع من المخازن، بدأ بين القرنين 17 و 18 ميلاديين، واستمر إلى غاية سبعينيات القرن الماضي إبان الاستعمار الفرنسي للمنطقة، قبل أن يتلاشى استخدامهما تدريجياً مع تطور نمط العيش، واستغناء السكان عن أنماط الادخار القديمة، مع شيوع الأمن والاستقرار.